ثالثا: قوله: «من شاء عقر، ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فرع، ومن شاء لم يفرع، في الغنم أضحيتها»، وفي رواية:«في كل ساعة أضحية».
وهذا مخالف لما رواه: الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:«لا فرع ولا عتيرة»، والفرع: أول النتاج، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب.
أخرجه البخاري (٥٤٧٣) و (٥٤٧٤)، مسلم (١٩٧٦).
وقد ترجم له البخاري مرتين، فقال في الأولى:«باب الفرع»، وفي الثانية:«باب العتيرة»، ولم يخرج في البابين سوى حديث أبي هريرة هذا، مشيرا بذلك إلى ضعف كل ما روي في إباحة الفرع والعتيرة، وعلى هذا أيضا: يدل تصرف مسلم في صحيحه [راجع كتابي: بحوث حديثية في كتاب الحج (٢٩٩) في رد حديث مخنف بن سليم في إباحة العتيرة أو إيجابها، وقد اتفق العلماء على عدم العمل بالأحاديث الواردة في ذلك؛ إما لكونها منسوخة، أو لكونها مردودة بحديث أبي هريرة المتفق عليه، وهذا من الباب الذي انفرد فيه المجاهيل بمخالفة الأحاديث الصحيحة المروية بأسانيد غاية في الصحة، وهي معدودة في أصح الأسانيد، فلا تزاحم مثل هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المحكمة بمثل أحاديث هؤلاء المجاهيل].
بل إن البخاري قد رد حديث الحارث بن عمرو هذا بحديث أبي هريرة، حيث قال في التاريخ بعدما ذكر الأول والأخير من أسانيد حديث الحارث:«وقال أبو هريرة، عن النبي ﷺ: «لا فرع، ولا عتيرة»، وهذا أصح».
وأما الجملة التي أصاب فيها من روى هذا الحديث: فهي قوله: «ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا».
فقد روى الشيخان من حديث: عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، مرفوعا، وموضع الشاهد منه: أن رسول الله ﷺ، قال:«فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب» [أخرجه البخاري (١٠٥)، وأطرافه. ومسلم (١٦٧٩)].
وأخرج البخاري في صحيحه (١٧٣٩ و ٧٠٧٩)، من حديث: عكرمة، عن ابن عباس ﵄، مرفوعا، وموضع الشاهد منه: أن رسول الله ﷺ، قال:«فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال:«اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت».
والحاصل: فإن حديث الحارث بن عمرو السهمي: حديث ضعيف، لا يحتج به فيما انفرد به في رفع توقيت ذات عرق إلى النبي ﷺ، وكذلك ما جاء فيه من إباحة الفرع والعتيرة، ويصلح في الشواهد في جملة:«ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا»، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.