فقال:«اللهم اغفر لنا»، فقلت: ادع الله لي، قال:«اللهم اغفر لنا»، قال: فأهوى رسول الله ﷺ بيده إلى وجهه فمسحه من رهج به، قال: فلم تزل في وجهه نضرة، قال: فقال رجل من الأعراب: يا رسول الله، ما تقول في العتيرة؟ قال:«من شاء أعتر، ومن شاء لم يعتر»، قال: يا رسول الله، ما تقول في الفرع؟ قال:«من شاء فرع ومن شاء لم يفرع»، قال: فما تقول في الأضحية؟ قال:«في كل ساعة أضحية». لفظ العلاء [عند الفاكهي]. ولفظ موسى [عند البخاري]: شهدت مع النبي ﷺ حجة الوداع، قال:«من شاء عتر، ومن شاء لم يعتر».
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (٢/ ٢٥٩)(٣/ ٩٤ - ط الناشر المتميز)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (٢٠٧).
قلت: سهل بن حصين بن مسلم الباهلي، ابن أخي قتيبة بن مسلم، من أهل البصرة: ليس بذاك المشهور، قال ابن معين:«ثقة»، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (٤/ ١٠١)، الجرح والتعديل (٤/ ١٩٥)، الثقات (٨/ ٢٨٩)، الثقات لابن قطلوبغا (٥/ ١٥٤)].
وأخاف أن يكون هذا الاختلاف منه، والأشبه عندي: حديث زرارة عن جده الحارث؛ فإنه قد رواه عن زرارة هكذا: ابنه يحيى، وعتبة بن عبد الملك السهمي، وأما حديث عبد الله بن الحارث عن أبيه الحارث؛ فلا يُعرف إلا من هذا الوجه، فإن كان الأول هو المحفوظ، فقد عاد الحديث إلى زرارة، وإن كان الثاني محفوظاً:
فإن عبد الله بن الحارث بن عمرو الباهلي: يعد في البصريين، سمع أباه، روى عنه سهل بن حصين؛ قاله البخاري، وهو مجهول، لا يُعرف بغير هذا الحديث، ولم يرو عنه سوى سهل بن حصين [التاريخ الكبير (٥/ ٦٤)، الجرح والتعديل (٥/٣٢)، الثقات (٧/٢٩)، الثقات لابن قطلوبغا (٥/ ٤٩٩)].
قلت: ووجه النكارة في هذا الحديث:
أولاً: قوله: فقلت: يا رسول الله، استغفر لي، فقال:«اللهم اغفر لنا»، وفي رواية:«غفر الله لكم»، فامتنع من الاستغفار له، وتخصيصه بالدعاء له، وذلك على غير عادة النبي ﷺ من السماحة والصبر، ومقابلة السيئة بالحسنة، وبذل المعروف للناس، وتبسمه وبشاشته في وجه المقبلين عليه، والدعاء لهم وتثبيتهم والاستغفار لهم، وتأليف الوافدين عليه، والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة، ويغني عنها قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، وقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وقول أخي أبي ذر حين بعثه ليأتيه بخبر النبي ﷺ: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق [صحيح البخاري (٣٨٦١)، صحيح مسلم (٢٤٧٤)].
ثانياً: قوله: وذات عرق لأهل العراق، أو لأهل المشرق، فإن المحفوظ أن توقيت ذات عرق لم يكن من النبي ﷺ، وإنما كان من عمر بن الخطاب ﵁؛ كما تقدم بيانه.