الواردة في ذات عرق، ولذا أخره في آخر أحاديث الباب؛ فبدأ بحديث ابن عباس؛ فأخرجه من وجهين عن طاووس عن ابن عباس، ثم أخرج حديث ابن عمر من طريق نافع وسالم وعبد الله بن دينار؛ ثلاثتهم عن ابن عمر، ثم أخرج حديث جابر هذا، وهذا نظر دقيق، وهو أن يكون بعض الحديث مسموعاً من النبي ﷺ، وبعضه مسموعاً من الصحابة، فالمرفوع منه هو المواقيت الأربعة التي جاء ذكرها في حديث ابن عباس وابن عمر، وغير المرفوع هو ميقات أهل العراق؛ فردَّ هذا الحديث المشتبه إلى الأحاديث المحكمة، في رفع المواقيت الأربعة، وتبقى كلمة سمعت في حديث جابر مبهمة؛ إنما فسرها ابن جريج بظنه، والله أعلم.
وقد سبق مسلماً إلى ذلك: مالك، حيث جزم في المدونة (١/ ٤٠٥) بأن عمر هو الذي وقت ذات عرق، ولو ثبت عند مالك حديث مرفوع إلى النبي بذلك، لما قطع بنسبته إلى عمر، قال مالك:«ووقت عمر بن الخطاب ذات عرق لأهل العراق».
وكذلك الشافعي؛ فإنه ذهب إلى أن جابراً لم يسمعه من النبي ﷺ، وإنما سمعه من غيره، وقال الشافعي أيضاً: ولا أحسبه إلا كما قال طاووس، يعني قوله: لم يوقت رسول الله ﷺ ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل مشرق، فوقت الناس ذات عرق.
وكذلك البخاري في صحيحه، حيث ترجم بقوله:«بابٌ: ذات عرق لأهل العراق»، ثم أخرج حديث ابن عمر، أن أباه عمر بن الخطاب هو الذي حد لهم ذات عرق قياساً على قرن، فلو صح عند البخاري شيء مرفوع في ذات عرق لأخرجه، أو أشار إليه على عادته، لكنه لما أغفل ذكر الأحاديث المرفوعة الواردة في ذات عرق؛ علمنا تضعيفه لأحاديث الباب.
ولما سبق بيانه: فإن ابن خزيمة لم يجزم بثبوت رفعه إلى النبي ﷺ، فترجم له بقوله:«باب ذكر ميقات أهل العراق إن ثبت الخبر مسنداً»، ثم قال بعد ذلك:«قد روي في ذات عرق أنه ميقات أهل العراق أخبار غير ابن جريج: لا يثبت عند أهل الحديث شيء منها، قد خرجتها كلها في كتاب الكبير».
وقال ابن المنذر في الإشراف (٣/ ١٧٧): «واختلفوا فيما يفعل من مر بذات عرق، فثبت أن عمر بن الخطاب وقت لأهل العراق ذات عرق، ولا يثبت فيه عن رسول الله ﷺ سنة».
وإلى هذا المعنى أشار أيضاً: النووي في المجموع (٧/ ١٩٤)، حيث قال:«فهذا إسناد صحيح؛ لكنه لم يجزم برفعه إلى النبي ﷺ؛ فلا يثبت رفعه بمجرد هذا».
وتوقيت عمر ليس إحداثاً، ولكنه كان بعد فتح العراق لما شكوا إليه جور ميقات قرن المنازل، وميله عن طريقهم أمرهم أن يحذو حذوه مما يتيسر على الناس، ويكون على سمت ميقات قرن المنازل، فكان ذلك قياساً على الميقات النبوي، وليس إحداثاً لميقات جديد، كمثل ما قاس الناس ميقات وادي محرم بالهدا على ميقات قرن المنازل بالسيل