للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الحديث موقوفاً على جابر، ولم يقع الرفع في روايته؛ لكن هو الذي تصرف بتفسير قوله: سمعت، ظناً منه أنه سمع النبي ، فبقي الحديث موقوفاً.

وعليه: فإن حديث جابر اشتمل على المواقيت الأربعة التي جاء النص عليها في حديث ابن عباس وحديث ابن عمر، فيحمل قوله: سمعت؛ على الأعلى وهو النبي ، بينما يحمل قوله: سمعت؛ في ميقات ذات عرق على الأدنى، يعني: أنه سمعه إما من عمر بن الخطاب؛ فإنه هو الذي ثبت عنه توقيت ذات عرق؛ كما في حديث ابن عمر عند البخاري، وإما من غيره من الصحابة، كما يروى ذلك عن ابن عباس، وكلام الشافعي والبيهقي يشير إلى هذا المعنى، وبذا يظهر المعنى الذي أراده مسلم بإخراجه لحديث جابر في صحيحه، والله أعلم.

نعم؛ بهذا يتضح مراد مسلم من إخراج حديث جابر، وهو الذي أعله في التمييز، فلا معنى عندئذ من الاعتراض على مسلم؛ حين قال الدارقطني في التتبع (١٨٤): «وفي هذا نظر» [وانظر أيضاً: كلامه في التتبع في موضع سابق (١٧١)].

ونزيد ذلك بياناً بأن نقول: إن مسلماً لم يخرج حديث جابر في صحيحه محتجاً به كله، وإنما ليشير إلى علته التي بينها في التمييز، حيث قال في التمييز حين استطرد في تضعيف حديث عبد الرزاق عن مالك، في ذات عرق؛ في سياق بيان أنه لا يثبت في هذا الباب شيء، قال: «فأما الأحاديث التي ذكرناها من قبل: أن النبي وقت لأهل العراق ذات عرق؛ فليس منها واحد يثبت»، وهذا نص من الإمام مسلم على تضعيف كل ما روي مرفوعاً في توقيت ذات عرق، وعليه يفسر تصرفه في الصحيح؛ لا أن يُضرب كلامه بعضه ببعض، ثم زاد ذلك بياناً: فبدأ بحديث جابر فقال: وذلك: أن ابن جريج قال في حديث أبي الزبير عن جابر؛ يريد أن ابن جريج أوقفه على جابر، وأن رواية ابن جريج ليس فيها ذكر النبي ، بل إن ابن جريج نفسه هو الذي قال: «ثم انتهى؛ أراه يعني النبي »، يعني: أن جابراً لما قال: سمعت، انتهى كلام جابر، فلم يقل جابر: سمعت النبي ، ولا غيره، ويحتمل أن يكون هذا من قول أبي الزبير، كما قال عياض وتبعه على ذلك النووي، والذي يظهر لي أن ابن جريج هو القائل، وهذا هو الذي يدل عليه تصرف مسلم وكلامه في التمييز؛ فابن جريج هو الذي ظن أن قول جابر: سمعت، يعني به النبي ، والصواب: أن جابراً قال: سمعت؛ مبهماً المسموع منه، ولم يميز ممن سمعه؛ أراد أنه سمع أن مُهل أهل العراق من ذات عرق؛ إما من عمر أو من غيره من الصحابة، كما قال الشافعي والبيهقي، لكنه بكل حال لم يذكر النبي ، وابن جريج هو الذي ظنه مرفوعاً، وأما من ظن أن مسلماً أعله بعنعنة أبي الزبير فلم يصب؛ وقد أبعد بذلك النجعة.

وبهذا يتبين أن مسلماً لم يرد بإخراج حديث جابر في ذات عرق؛ الاحتجاج به في هذه الجملة، ولا أراد أن توقيت ذات عرق مرفوع إلى النبي ، بدليل أن جابراً لم يقل النبي ، وإنما أبهم المسموع منه، وبدليل أن مسلماً نفى ثبوت الأحاديث فيه:: سمعت

<<  <  ج: ص:  >  >>