وكذلك جُمِعَ ممن صنف في الصحيح؛ كمالك في موطئه، وابن خُزَيمة، وأبي عوانة، وابن حِبّان، وابن الجارود، ورواه أحمد في مسنده، وأصحاب السنن الأربعة، والدارمي في مسنده، وأصحاب المصنفات، مثل: عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وغيرهم من أصحاب المسانيد والمعاجم والمستخرجات والسنن والأجزاء وغيرها من كتب السنة المشهورة.
ثم أعرضوا جميعاً عن حديث جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران هذا، فلم أقف عليه إلا عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده، والطحاوي في شرح المعاني، والطبراني في الأوسط، وأبي نعيم في الحلية.
وإعراض الناس عن إخراجه في مصنفاتهم فيه إشارة لغرابته، وليس لميمون بن مهران عن ابن عمر في الكتب الستة سوى حديثين اثنين فقط، أحدهما عند الترمذي في الشمائل (٢٨٥)، والآخر عند ابن ماجه في الحدود (٢٥٨١) [انظر: التحفة (٧٤٦٧ و ٧٤٦٨)].
فلا يُعارض بمثل هذا الأسانيد الصحاح المشهورة، وكثير منها على شرط الشيخين، فضلاً عن كون الشيخين قد أخرجا طرفاً منها.
وحديث ميمون هذا قد رده الإمام مسلم مع علمه بثقة رجاله؛ بقرينة عدم ضبط المتن، حيث جعل قرناً لأهل الطائف، وقد أجمع أصحاب ابن عمر على أن النبي ﷺ وقت قرناً لأهل نجد؛ كما أجمعوا على توقيت ذي الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وأن ابن عمر قد بلغه عن النبي ﷺ أنه وقت يلملم لأهل اليمن، وأنه لم يسمع ذلك من النبي ﷺ، وذكر بعضهم أن ابن عمر سئل عن ميقات أهل العراق، فقال: لم يكن يومئذ عراق؛ فلم يذكر ميقات ذات عرق في حديثه هذا، لا مرفوعاً ولا موقوفاً.
ثم علل مسلم حديث ميمون بعد ذكر مخالفته لأصحاب ابن عمر؛ أنه لم يذكر فيه سماعاً من ابن عمر، والله أعلم.
قال مسلم في التمييز (٢١٥): «وأما رواية جعفر عن ميمون بن مهران عن ابن عمر: فلم يُحكم حفظه؛ لأن فيه: «لأهل الطائف قرناً»، وفي رواية سالم ونافع وابن دينار:«ولأهل نجد قرناً»، وميزوا في رواياتهم لأهل اليمن؛ أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي ﷺ، وفي رواية ميمون جعل لأهل المشرق ذات عرق، وسالم ونافع وابن دينار كل واحد منهم أولى بالصحيح عن ابن عمر من ميمون الذي لم يسمعه من ابن عمر».
• قال ابن عبد البر في التمهيد (١٥/ ١٣٧)(٩/ ٤٠٤ - ط الفرقان): «هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ عن مالك فيما علمت، وكذلك رواه أصحاب نافع كلهم عن نافع عن ابن عمر، وكذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وكذلك رواه ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي ﵇ مثله سواء، اتفقوا كلهم على: أن ابن عمر لم يسمع من النبي ﵇ قوله: «ويهل أهل اليمن من يلملم»، ورواه صدقة بن يسار، قال: سمعت ابن عمر يقول: وقت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل