قوله في حديث ابن عباس:«فهن لهن ولمن أتى عليهن» أنه من قول ابن عباس موقوفا عليه؛ فغير مسلم، بل هو ثابت مرفوعا إلى النبي ﷺ، كما سيأتي بيانه في موضعه، وكذلك حكايته عن نافع عن ابن عمر فيها غلط ظاهر، وقوله:«ما حفظ عن نافع عن ابن عمر؛ أن النبي ﷺ وقت قرنا لأهل العراق، هذا ما لا يحتمل التوهم على مالك، وقد روى عبيد الله كما ذكرنا من قبل: عن نافع عن ابن عمر؛ حد لأهل العراق ذات عرق»؛ كلام غير دقيق في وصف المرويات، بل هو على خلاف الصواب، والصحيح أن مسلما أراد أن يقول: إنه لم يحفظ عن نافع عن ابن عمر: أن النبي ﷺ وقت قرنا لأهل العراق، وهذا مما لا يحتمل فيه الوهم على مالك، إذ قد رواه رواة الموطأ وأصحاب مالك الثقات المقدمون فيه بدون هذه اللفظة، وأراد مسلم أن يقول: إن عبيد الله بن عمر العمري قد روى عن نافع عن ابن عمر؛ أن عمر بن الخطاب هو الذي حد لأهل العراق ذات عرق [أخرجه البخاري (١٥٣١)، ويأتي تخريجه قريبا إن شاء الله تعالى] والله أعلم.
وقال ابن عدي:«حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي: حدثني محمد بن سهل بن عسكر أبو بكر البخاري: حدثنا عبد الرزاق بن همام؛ سألت مالك بن أنس عن المواقيت؟ فقال: وقت النبي ﷺ لأهل العراق ذات عرق، قال: قلت عمن يا أبا عبد الله؟ قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ بذلك.
سمعت ابن صاعد، يقول: قرأ علينا ابن عسكر كتاب المناسك، عن عبد الرزاق، وليس فيه هذا الحديث.
وذكره ابن صاعد مرسلا، عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق، وهذا الحديث يعرف بابن راهويه عن عبد الرزاق.
حدثناه الحسين [كذا] الصوفي، عن ابن عسكر عن عبد الرزاق.
وحكى ابن صاعد أن هذا الحديث ليس عند ابن عسكر عن عبد الرزاق، وكان الصوفي لا بأس به، ولكن قال لي عبدان الأهوازي: إن البغداديين يلقنون المشايخ، ويرفعون أحاديث موقوفة، ويصلون أحاديث مراسيل، ويلقنون الشيوخ، وقال لي: إنهم كانوا يلقنون عبد الوهاب بن الضحاك فمنعتهم، وذاكرت أنا عبدان عن البغداديين بأحاديث لا يرويها غيرهم عن الشيوخ، فلا آمن أن يكون هذا الحديث الذي حدثناه الصوفي عن ابن عسكر من تلك الأحاديث؛ لأن ابن صاعد قد نفى أن يكون هذا الحديث عند ابن عسكر».
قلت: أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي: ترجم له الإسماعيلي في معجم شيوخه (١/ ٣٣٢)، ولم يذكره بجرحة، ووثقه الحاكم والذهبي، لكن قال ابن المنادي:«كتبت عنه على معرفة بلينه، والذين تركوه أحمد وأشهر» [تاريخ بغداد (٤/ ٩٨)، الأنساب (٣/ ٥٦٦)، السير (١٤/ ١٥٣)، اللسان (١/ ٤٣٥)].
ومحمد بن سهل بن عسكر: ثقة، لعله روى عن عبد الرزاق بعدما أضر.