وهذا الإسناد صالح في المتابعات، والعمدة على رواية الثقات المشاهير عن ابن عباس: أبي ظبيان، وأبي السفر، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• قال البخاري في التاريخ الكبير (١/ ١٩٨)(١/ ٥٣٨/ ٦١٢ - ط الناشر المتميز): «وقال أبو ظبيان، وأبو السفر، عن ابن عباس: أيما صبي حج، ثم أدرك، فعليه الحج؛ وهذا المعروف عن ابن عباس»؛ يعني موقوفاً عليه، ووهم من رفعه.
• وأما دعوى أن البخاري أعل المرفوع من حديث كريب عن ابن عباس باختلاف الرواة عنه في وصله وإرساله، فرجح الإرسال بتعارض الموقوف مع المرفوع، فليست بدعوى وجيهة، حيث إن قول ابن عباس:«وأيما صبي حج به أهله فقد قضت حجته عنه ما دام صغيراً، فإذا بلغ فعليه حجة أخرى»، لا يعارض المرفوع من قوله ﷺ:«نعم»؛ جواباً على السائلة: ألهذا حج؟ فقد أثبت ابن عباس له حجاً وأجراً ما دام صغيراً حتى يبلغ فيفرض عليه كما يؤجر الصبي على صلاته وإن لم تكن مفروضة عليه حتى يبلغ، وكذلك الحج، فكان الموقوف عن ابن عباس مفسراً لما ثبت عنه مرفوعاً وشارحاً له، وليس معارضاً، ومثل هذا المعنى لم يكن ليغيب عن البخاري، حتى يقال: إنه جعل من قرائن إعلال المرفوع مخالفة الموقوف؛ إذ لا مخالفة بينهما، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• كما أنه لا مدخل الإعلال حديث كريب عن ابن عباس المرفوع؛ بالموقوف عن أبي ظبيان وعن أبي السفر كلاهما عن ابن عباس موقوفاً:
أولاً: لاختلاف السياق بينهما.
ثانياً: لاشتمال حديث كريب عن ابن عباس على قصة وواقعة في حج النبي ﷺ؛ لم يشتمل عليها أثر أبي ظبيان وأبي السفر.
ثالثاً: أن الموقوف على ابن عباس جاء منه كالتفسير للمرفوع، فإن المرفوع سياق نبوي بليغ العبارة، صدر جواباً على سؤال بحسب مقتضى الحال، وأوجز في الحكم، وزاد عليه، فكانت السائلة تسأل عن حج الصبي؛ فأخبرها النبي ﷺ بأن له حجاً؛ بقوله:«نعم»، ثم زاد عليه حكماً آخر يترتب على أثره اجتهاد ولي الصبي في إعانته على الحج بقوله:«ولك أجر».
بينما أثر ابن عباس الموقوف أشبه بسياق كلام الفقهاء في التفصيل والإيضاح، حيث جاء كالشرح والتفسير لكلام النبي ﷺ؛ فيما يتعلق بحج الصبي، وزاد عليه حج العبد والأعرابي، فجرى ذلك منه مجرى ما كان يستعمله ابن عباس في مقام الفتوى، وشرح المناسك للناس حتى لا يقعوا في الحرج.
وبهذا البيان يتضح أنه لا مدخل لإعلال حديث كريب المرفوع، بأثر أبي ظبيان وأبي السفر الموقوف، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• وأما دعوى أن قول ابن عباس في هذا الأثر يدل على الرفع؛ فغير صحيح:
قال ابن القطان في بيان الوهم (٢/ ٥٨٧/ ٥٨٨): «وظاهر هذا الرفع».