للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ما سمع؛ كأنه قيل له في وقت ما: هل تسافر المرأة مسيرة يوم بلا محرم؟ فقال: لا، وقيل له في وقت آخر: هل تسافر المرأة مسيرة يومين بغير محرم؟ فقال: لا، وقال له آخر: هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم؟ فقال: لا. وكذلك معنى الليلة والبريد، ونحو ذلك، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى، والله أعلم، ويجمع معاني الآثار في هذا الباب - وإن اختلفت ظواهرها -: الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها الفتنة بغير محرم قصيرا كان أو طويلا، والله أعلم» [وقال نحوه البيهقي في السنن (٣/ ١٣٩)].

ثم قال ابن عبد البر: «ومن حجة من ذهب في هذه المسألة مذهب أبي حنيفة، أن الثلاثة الأيام سفر مجتمع على تقصير الصلاة فيه، والأصل في الصلاة التمام باليقين، فالواجب أن لا تقصر إلا بيقين، واليقين ما أجمعوا عليه في الثلاثة الأيام؛ لأن ما دون ذلك مختلف فيه، وهو قول ابن علية. وهذا، وإن كان نظرا واحتياطا، فليس بجيد من طريق الاتباع، وأولى ما قيل في هذا الباب من طريق الاتباع: مذهب ابن عمر، وابن عباس، وأهل المدينة، والشافعي، والله الموفق للصواب».

وكان قال قبل ذلك في بيان مذهب الجمهور استدلالا بحديث مالك وغيره في مسيرة يوم وليلة: «وفي هذا الحديث أيضا دليل على صحة ما ذهب إليه مالك والشافعي وأصحابهما في تقدير المسافة التي يجوز فيها للمسافر قصر الصلاة وتحديدها؛ لأنهم قالوا: لا تقصر الصلاة أقل من يوم وليلة، وقدروا ذلك بثمانية وأربعين ميلا، وهي أربعة برد، وهو قول ابن عباس وابن عمر، والأصل في ذلك حديث أبي هريرة هذا عن النبي بما ذكرنا.

واستدلوا من هذا الحديث بأن كل سفر يكون دون يوم وليلة فليس بسفر حقيقة، وأن حكم من سافر حكم الحاضر؛ لأن في هذا الحديث دليلا على إباحة السفر للمرأة، فيما دون هذا المقدار مع غير ذي محرم، فكان ذلك في حكم خروج المرأة في حوائجها إلى السوق، وما قرب من المواضع المأمون عليها فيها في البادية والحاضرة، وأما اليوم والليلة: فظعن وسفر وانتقال يكون فيه الانفراد، وتعترض فيه الأحوال، فكان في حكم الأسفار الطوال؛ لأن كل ما زاد عن اليوم والليلة من المدة في نوع اليوم والليلة وفي حكمها، والله أعلم.

وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب، واختلفت فيه الآثار، فقال مالك والشافعي ما ذكرنا عنهما، وهو قول ابن عباس، وابن عمر على ما وصفنا، وبه قال أحمد وإسحاق، وحجتهم الاستدلال بحديث هذا الباب على حسبما اجتلبنا».

وقال ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٣٠٣): «لتستعمل الأخبار كلها؛ كالأخبار التي جاءت عن النبي ، ففي بعضها: أن النبي قال: «لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم»، وفي بعضها: أن النبي قال: «لا تسافر المرأة يوما إلا مع ذي محرم»، فالقول بها كلها يجب».

وانظر: المجموع شرح المهذب (٤/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>