وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، عن عمرو بن دينار، قال: أخبرني عكرمة، أو أبو معبد، عن ابن عباس:
ثم اتفقا: أنه قال: جاء رجل إلى المدينة، فقال له النبي ﷺ: «أين نزلت؟»، قال: على فلانة، قال: «أغلقت عليك بابها؟ لا تحُجَّنَّ امرأة إلا ومعها ذو محرم». وفي رواية: «أغلقت عليها بابها؟ أغلقت عليك بابها؟ لا تحُجَّنَّ امرأة إلا ومعها ذو محرم».
قال عبد الرزاق: وأما ابن عيينة، فأخبرنا عن عمرو، عن عكرمة، ليس فيه شك.
وعلقه ابن عبد البر في الاستذكار (٤/ ٤١٣)، عن عبد الرزاق، وقال فيه: «وأما ابن عيينة، فأخبرناه عن عكرمة، عن ابن عباس، ليس فيه شك».
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٥/ ٣٧٣/ ٩٧٢٩ - ط التأصيل)، وأبو عوانة (٨/ ١١٠/ ٩٠٢٦ - الإتحاف)، وابن صاعد في الثالث من مناسك الحج (٦٢)، والدارقطني (٣/ ٢٢٧/ ٢٤٤٠)، وعلقه ابن عبد البر في الاستذكار (٤/ ٤١٣). [الإتحاف (٨/ ١٠٩/ ٩٠٢٥) و (٨/ ١١٠/ ٩٠٢٦)].
• قلت: هما حديثان، أما الحديث الأول: فقد رواه جمع من أصحاب ابن جريج عنه، قال: حدثني عمرو بن دينار، عن أبي معبد، عن ابن عباس؛ بغير شك، في قصة المكتتب في الغزو؛ بمثل حديث الجماعة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس، ولم يذكر فيه طرف الخلوة.
وأما الحديث الثاني: ففيه طرف الخلوة، دون سفر المرأة بغير محرم، وجعل مكانه النهي عن حج المرأة بغير محرم، ودون قصة المكتتب في الغزو، وفيه قصة الرجل النازل على فلانة، مع الشك في إسناده: هل هو عن عكرمة، أم عن أبي معبد، وقد رواه عن ابن جريج: اثنان من أثبت أصحابه، وقد انفرد ابن جريج بإدخال أبي معبد في إسناد هذا الحديث الثاني.
وهذا الحديث الثاني إنما يرويه عكرمة؛ وأما أبو معبد فقد روى قصة المكتتب في الغزو، ولم يرو قصة النازل على فلانة هكذا رواه سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وروح بن القاسم، ومحمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد، عن ابن عباس؛ ليس فيه ذكر عكرمة في الإسناد، وليس فيه سؤال الرجل عن نزوله على فلانة، وإغلاق الباب عليه.
وهذا تغاير واضح بين القصتين، لكن يبقى أن يقال: هل الحديث الثاني عن عكرمة عن ابن عباس متصلاً، أم عن عكرمة مرسلاً؟
• قال ابن حزم في المحلى (٥/٢٥): «هذا خبر لم يحفظه ابن جريج؛ لأنه شك
فيه: أحدثه به عمرو عن عكرمة مرسلاً؟ أم حدثه به عمرو عن أبي معبد مسنداً؟ فلم يثبته أصلاً؛ فبطل التعلق به، وإنما صوابه كما رواه عبد الرزاق، عن سفيان، وابن جريج، عن عمرو، عن أبي معبد، عن ابن عباس، كما أوردناه آنفاً، ليس فيه هذه اللفظة».