قلت: وهذا منكر، والثابت عن عمر بن الخطاب أنه أذن لأزواج النبي ﷺ بالحج [أخرجه البخاري (١٨٦٠)، ويأتي تخريجه قريباً]، وشيخ ابن سعد في هذا الأثر: محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك، متهم، ولم أقف له على متابع.
• وانظر في المراسيل: ما أخرجه عبد الرزاق (٥/٨/٨٨١٢)، وابن سعد في الطبقات (٨/ ٥٥ و ٢٠٨).
والحاصل: فإن حديث: «هذه ثم ظهور الحُصُر»، حديث صحيح، ثابت من حديث أبي هريرة، وأبي واقد الليثي، ويشهد لهما حديث أم سلمة، والله أعلم.
• قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان: «هذا حديث شيعي كذب لا يصح، وإنما أراد به ناقله الطعن على عائشة بخروجها في دم عثمان، وحجها بعد النبي ﷺ، وما كانت عائشة لتسمع هذا من رسول الله ﷺ ثم تخالفه [تفسير الموطأ للقنازعي (٢/ ٦٠١)].
قلت: عبد الله بن محمد بن عثمان بن سعيد بن أبي سعيد هاشم بن إسماعيل بن سفيان بن كنانة بن نعيم الأسدي: من أهل قرطبة، توفي سنة (٣٦٤)، قال ابن الفرضي: كان ضابطاً لكتبه صدوقاً في روايته، ثقة في نقله [تاريخ علماء الأندلس (٧٠٧)، جذوة المقتبس (٥٣٣)، تاريخ الإسلام (٨/ ٢٢٨ - ط الغرب)]، فلم يكن من نقاد الحديث، ولا من فرسانه المبرزين، ولم يبرهن على صحة دعواه بدليل ولا بينة يسير بها على منهج نقاد المحدثين في رد الأحاديث الباطلة والموضوعة، فإنه قد زعم بأنه حديث مكذوب، قد وضعه رجل شيعي، وليس في رواة حديث أبي هريرة، ولا حديث أبي واقد، ولا حديث أم سلمة من اتهم بالكذب، ولا لحقته وصمة الرفض، بل هي أحاديث صحيحة في الجملة، ليس في إسنادها متهم بالكذب أو الرفض؛ بل رجال أسانيدها مشاهير في الجملة، غالبهم من أهل المدينة، وبعضها أسانيد مشهورة، وجواد مسلوكة.
وقد تبعه على الطعن في هذا الحديث بالتكذيب والرد بغير حجة ولا برهان: المهلب بن أبي صفرة المالكي الأندلسي [توفي سنة (٤٣٥)].
قال المهلب: قوله ﵇: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور» يبطل إفك المتشيعين وكذب الرافضيين فيما اختلقوه من الكذب على النبي ﵇ أنه قال لأزواجه في حجة الوداع: «هذه، ثم ظهور الحصر»، وهذا ظاهر الاختلاق؛ لأنه ﵇ حَضَّهُنَّ على الحج وبَشَّرَهُنَّ أنه أفضل جهادهن، وأذن عمر لهن في الحج، ومسير عثمان وغيره من أئمة الهدى معهن حجة قاطعة على الإجماع على ما كُذِبَ به على النبي ﵇ في أمر عائشة والتسبب إلى عرضها المطهر» [شرح البخاري لابن بطال (٤/ ٥٣٢)] [وانظر أيضاً: الجامع لمسائل المدونة (٢/ ٧٤٨)].
قال ابن حجر في الفتح (٤/ ٧٤): «إسناد حديث أبي واقد صحيح، وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذم أم المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل، وهو إقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل».