ثنا مطرف بن طريف [ثقة ثبت، من أصحاب الشعبي]، عن [عامر] الشعبي؛ في رجل سيب دابته، فأخذها رجل فأصلحها، قال: قال الشعبي: هذا قد قضي فيه: إن كان سيبها في كلأ وماء وأمن فصاحبها أحق بها، وإن كان سيبها في مفازة ومخافة فالذي أخذها أحق بها. هذا لفظ الواسطي، وهو نص بين، ولفظ أسباط محتمل للتأويل، حيث قال: عن عامر، في رجل سيب دابته فأخذها رجل، قال: فجاء صاحبها فخاصمه إلى عامر، فقال: هذا أمر قد قضي فيه قبل اليوم، إن كان سيبها في جوف مفازة فهو أحق بدابته، وإن كان سيبها في كلأ وأمن فلا حق له فيها.
أخرجه عبد الرزاق (٨/ ٢١٠/ ١٤٩٢١)، وابن أبي شيبة (٦/ ٥٤٠/ ٣٣٦٧٩)، والبيهقي (٦/ ١٩٨).
وهذا مقطوع على الشعبي بإسناد صحيح، وقوله: هذا قد قضي فيه؛ يدل على أنه أخذه عمن هو أكبر منه، وأنه قد أخذه عمن تؤخذ عنه الفتوى والقضاء في زمانه، وهم الصحابة، والشعبي قد سمع من قرابة خمسين صحابيا على قول، ولو كان يعني بذلك رسول الله ﷺ لصاح به، وصرح برفعه.
ورواية مطرف هذه مقدمة على رواية عبيد الله بن حميد الحميري؛ فإن مطرفا: ثقة ثبت، من أصحاب الشعبي المكثرين عنه، والمقدمين فيه، ويستفاد من رواية مطرف هذه ترجيح أحد وجوه الاختلاف على الحميري، وهي رواية الوقف، والله أعلم.
وعلى هذا فالراجح عندي: وقف هذا الحديث على عدد من أصحاب النبي ﷺ، لم يسمهم الشعبي، وإبهام الصحابي لا يضر.
وعلى هذا فهي مسألة قضى فيها الصحابة، والعمل فيها بقولهم، أولى من القياس، وبه أخذ أحمد، والله أعلم.
• قال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (٢٧٧٥): «قلت: سئل الأوزاعي عن الدابة إذا أزحفت فأخذها رجل فقام عليها، وقد تركها صاحبها الأول، لمن تكون الدابة؟ قال: لصاحبها الأول، ويرد عليه ما أنفق عليها، وكذلك المتاع يلقيه الرجل، فيأخذه الرجل، قال: يعطى كراه، ويرد على صاحبه.
قال أحمد: أما المتاع فكذلك هو يعطى كراه، ويرد على صاحبه، وأما الدابة فهي لمن أحياها إذا كان تركها صاحبها بمهلكة.
قال إسحاق: كما قال أحمد؛ لما ذكر عن الشعبي أنه قال ذلك، واحتج بحديث النبي ﷺ في ذلك».
وقال ابن جرير في تهذيب الآثار:«والصواب من القول في ذلك عندنا: ما قال الأوزاعي، من أن صاحب الدابة إن أنكر أن يكون تركه إياها كان على وجه التمليك لمن أخذها، والعزم منه على ألا يرتجعها من آخذها، فإن القول قوله مع يمينه، وحكم له بأخذها ممن كانت في يده، ولم يلزمه غرم ما أنفق عليها الآخذ».