للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

فأما فيما بينه وبين الله، فإنه حرام عليه ارتجاعها.

فأما حكمنا بها له، وتصييرنا القول في ذلك قوله مع يمينه، بعد أن يثبت أن الدابة له، وأنه الذي خلاها حيث خلاها، فلما بينا قبل: من أن ملك مالك لا يزول عن ملكه إلا بإزالته إياه عنه، أو بحكم الله بزواله، ولم يزله صاحبه بما يزول به الإملاك، ولا ورد بزوال ملكه عنه إذا كان الأمر كذاك خبر يوجب زواله عنه عن رسول الله ، ولا قامت به حجة من أصل أو نظير.

وأما تركنا تغريمه النفقة التي أنفقها عليها الآخذ، فلأن الآخذ أنفق ذلك بغير أمر رب الدابة، فهو متبرع بها، وغير جائز له الرجوع بما تبرع به من ذلك على رب الدابة».

وذكر ابن المنذر في المسألة ثلاثة أقوال، وعزاها لأصحابها، ثم قال: «والذي نقول به: إن ملك صاحب الدابة لا يزول عن الدابة إلا ببيع أو هبة أو غير ذلك مما يزول به الأملاك، ولا غرم عليه إن كان الذي أخذها أنفق عليها» [الأوسط (١١/ ٤٢٠)].

وقال الخطابي في المعالم (٣/ ١٦٠): «وهذا الحديث مرسل، وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ملكها لم يزل عن صاحبها بالعجز عنها، وسبيله سبيل اللقطة، فإذا جاء ربها وجب على واجدها رد ذلك عليه.

وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: هي لمن أحياها؛ إذا كان صاحبها تركها بمهلكة، واحتج إسحاق بحديث الشعبي هذا».

وقال ابن قدامة في المغني (٨/ ٣٤٧): «ومن ترك دابة بمهلكة، فأخذها إنسان، فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها، وبه قال الليث، والحسن بن صالح، وإسحاق، إلا أن يكون تركها ليرجع إليها، أو ضلت منه، وقال مالك: هي لمالكها الأول، ويغرم ما أنفق عليها، وقال الشافعي، وابن المنذر هي لمالكها، والآخر متبرع بالنفقة، لا يرجع بشيء؛ لأنه ملك غيره، فلم يملكه بغير عوض من غير رضاه، كما لو كانت في غير مهلكة، ولا يملك الرجوع؛ لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه، فلم يرجع بشيء، كما لو بنى داره.

ولنا ما روى الشعبي، … »، ثم استدل بحديث الشعبي الذي رواه أبو داود، ثم قال: «ولأن في الحكم بملكها إحياءها وإنقاذها من الهلاك، وحفظاً للمال عن الضياع، ومحافظة على حرمة الحيوان، وفي القول بأنها لا تملك تضييع لذلك كله، من غير مصلحة تحصل، ولأنه نبذ رغبة عنه»، وعجزاً عن أخذه، فملكه آخذه، كالساقط من السنبل، وسائر ما ينبذه الناس رغبة عنه، وحكم المتاع والعبد بخلاف هذا.

وقال القرافي في الذخيرة (٩/ ٩٤): «من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها؛ فأخذها فأحياها فهي له، ولأن القول بأنها تملك على المالك الأول تضييع لها، وإهلاك للحيوان، لأن واجده تضعف داعيته لأخذه».

<<  <  ج: ص:  >  >>