مالك؛ لأنه لم يصر في يده، ولا تعدى عليه، وإنما أعلم به من ظن أنه له، ولم يلتزم فيه حكم اللقطة.
والوجه الثاني: أن يأخذها ملتقطاً لها، وبذا قد لزمه عند ابن القاسم حفظها وتعريفها؛ فإن ردها بعد أن أخذها؛ قال ابن القاسم: يضمنها، وقال أشهب: لا يضمنها إن ردها في موضعها بقرب ذلك أو بعده، فلا إشهاد عليه في ردّها، وعليه اليمين لردها في موضعها؛ فإن ردها في غير موضعها ضمن.
وجه القول الأول [يعني: قول ابن القاسم في الضمان بالرد مطلقاً]: أن النبي ﷺ حكم عليه بالتعريف بها، فإن جاء صاحبها أداها إليه، ولم يقل له: اتركها في موضعها، كما قال في ضالة الإبل: مالك ولها، ولأنه لما قبضها ملتقطاً لها، وقد أزالها عن الغرر إلى حالة يؤمن عليها فيها، فإن ردها إلى موضعها فقد أعادها إلى الغرر، فعليه ضمانها، كمن أخرج صبياً لغيره من بئر يخاف عليه فيها الهلاك، ثم رده فيها فهلك؛ فإنه يضمن، أو أخرج ثوباً من النار قبل أن يحترق، ثم رده في النار فاحترق، ووجه قول أشهب: أنه لم يأخذها على وجه التعدي والضمان، فإذا أعادها إلى موضعها فتلفت فيه؛ فذلك بمنزلة أن يتركها فيه أولاً فتلفت فيه، فلا ضمان عليه كضالة الإبل».
وفي المغني لابن قدامة (٨/ ٣١٥): «إذا أخذ اللقطة ثم ردها إلى موضعها ضمنها».
قلت: الصواب التفريق بين ما أذن الشرع في التقاطه، مثل لقطة الدنانير والدراهم والمتاع، وضالة الغنم، فقد حث الشرع على التقاطه حفظاً لمال أخيه المسلم من التلف والضياع، فهذا لا يرده بعد التقاطه؛ بل يلزمه تعريفه حتى يؤديه إلى صاحبه، أو يتملكه بعد تمام الحول من التعريف، مع ضمان قيمته لصاحبه إن جاء يوماً من الدهر، فهذا الصنف من اللقطة يضمنه إن تلف أو ضاع بتفريط منه، وردُّه إلى موضعه بعد التقاطه نوع تفريط في الأمانة التي تحملها، وفتوى ابن عمر تبين هذا المعنى؛ أن الملتقط كان في عافية قبل التقاطها، فلما التقطها لزمه تعريفها، ولم يأمره ابن عمر بردها إلى مكانها، ففي رواية مالك: أخبرنا نافع؛ أن رجلاً وجد لقطة، فجاء إلى عبد الله بن عمر، فقال: إني وجدت لقطة، فما تأمرني فيها؟ فقال له ابن عمر: عرفها، قال: قد فعلت، قال: زد، قال: قد فعلت، فقال عبد الله: لا أمرك أن تأكلها، لو شئت لم تأخذها، يعني: أنه كان في عافية قبل التقاطها، وقد كان قادراً على تركها، ففي رواية الوليد بن سعد بن الأخرم؛ أنه كان مع عبد الله بن عمر، فرأى ديناراً ملقى قال: فذهبت لآخذه، فضرب عبد الله يدي، وأمرني بتركه. [راجع بقية الطرق عن ابن عمر فيما تقدم تحت الحديث رقم (١٧١٦)].
وأما ضالة الإبل: فإن النبي ﷺ لم يأذن في التقاطها، وقال:«مالك ولها»، وقال:«دعها»، فمن التقطها بعد ذلك وعرفها؛ فلم تعترف فله أن يردها إلى مكانها، ولا ضمان عليه في ذلك، كما أفتى بذلك عمر بن الخطاب ﵁، وقال لثابت بن الضحاك: أرسله حيث وجدته، والله أعلم.