للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

لواجدها منها شيء إلا الإنشاد أبداً. هذا قول عبد الرحمن بن مهدي، وأبي عبيد، واختلفوا في معنى قول النبي : «لا تحل لقطتها إلا لمنشد»: كان جرير بن عبد الحميد يقول: لا تحل لقطتها إلا لمنشد قال: يعني: إلا من سمع ناشداً يقول قبل ذلك أو معروفاً: من أصاب كذا وكذا؛ فحينئذ يجوز للملتقط أن يرفعها إذا رآها لكي يردها على صاحبها، ومال إسحاق بن راهويه إلى قول جرير هذا، ثم ذكر قول ابن مهدي وأبي عبيد في الإنشاد أبداً؛ إلى أن نقل عن أبي عبيد قوله: «وليس للحديث وجه إلا ما قال ابن المهدي» [وانظر: سنن البيهقي (٦/ ١٩٩)].

ثم ختم ابن المنذر بقوله: «وغير جائز على أي المعنيين كان؛ أن تباح لقطة مكة إلا لصاحبها؛ لأنها خصت من بين البلدان، والله أعلم».

وقال الطحاوي في المشكل (١٢/ ١٣٤): «فكان النضر بن شميل فيما حُدِّثت به عنه يقول: معناهما مختلف، فأما معنى: «ولا يرفع لقطتها إلا منشد» أي: من رأى لقطة بها، فسبيله أن يرفعها بيده، ثم يقول: لمن هذه منكم أيها الناس؟ ومعنى قوله: «ولا تُرفع لقطتها إلا لمنشد: أن الذي يرى لقطتها لا يسعه أخذها؛ إلا أن يسمع رجلاً يقول: من وجد كذا وكذا؟ مما يوافق ما قد رأى، فيرفعها بيده، ثم يقول: أهي هذه؟ فتأملنا ما قد رويناه في هذا الباب، وما قد قاله النضر بن شميل فيه، فوجدنا الذي قاله صحيحاً، وكان في ذلك ما قد دل على ما في حديث عبد الرحمن بن عثمان الذي رويناه في الباب الذي قبله من اجتناب لقطة الحاج، وأنها بخلاف اللقطة التي يرجو من يحاول التقاطها لقاء من هي له ليخرج إليه منها، وأنها بخلاف ما سواها من اللقطة التي لا يرجو فيها ذلك، والله الموفق» [وانظر: شرح المعاني (٤/ ١٤٠)].

وقال الماوردي في الحاوي (٥/٨): «وفي المنشد تأويلان: أحدهما: وهو قول أبي عبيد؛ أنه صاحبها الطالب، والناشد هو المعرف الواجد لها، .. ، فكأن النبي قال: لا يحل لأحد أن يتملكها إلا صاحبها التي هي له دون الواجد، والتأويل الثاني: وهو قول الشافعي؛ أن المنشد الواجد المعرف، والناشد هو المالك الطالب، وروي أن النبي سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فقال: «أيها الناشد غيرك الواجد»، معناه: لا وجدت، كأنه دعا عليه، فعلى هذا التأويل معنى قوله: «لا تحل لقطتها إلا لمنشد»؛ أي: لمعرف يقيم على تعريفها، ولا يتملكها، فكان في كلا التأويلين دليل على تحريم تملكها، ولأن مكة لما باينت غيرها في تحريم صيدها وشجرها، تغليظاً لحرمتها، باينت غيرها في ملك اللقطة، ولأن مكة لا يعود الخارج منها غالباً إلا بعد حول إن عاد، فلم ينتشر إنشادها في البلاد كلها، فلذلك وجب عليه إدامة تعريفها، ولا فرق بين مكة وبين سائر الحرم؛ لاستواء جميع ذلك في الحرمة».

وقال ابن حزم في المحلى (٧/ ١١١): «فإن كان ذلك في حرم مكة حرسها الله تعالى، أو في رفقة قوم ناهضين إلى العمرة أو الحج: عرف أبداً، ولم يحل له تملكه، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>