للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

ثم يضمنها بعد ذلك إن جاء صاحبها، فيخيره بين الأجر أو الغرم، ولم يأمراه بالتصرف فيها كيف شاء، ولا أباحا له تملكها، وبهذا يكونا قد وافقا الأصل الوارد في السنة، وهو عدم إباحة تملكها، وكذلك أثر عائشة، يمكن حمله على هذا المعنى، فيما رواه غندر بالشك بين الانتفاع بها وبين الصدقة، وحمله على الصدقة أولى لموافقة قول عمر وابن عباس، ولكون غندر أعلم بحديث شعبة من بقية أصحابه، والله أعلم.

قال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله: (١٦٠٠): قال الإمام أحمد: قوله : «لا تحل لقطتها إلا لمنشد»، قال: فكأن لقطة الحرم لمن يغشى الحرم من الناس، إنهم متفرقون من بلدان شتى، فالذي يأخذ لقطتها يقول: متى أجد صاحبها؟ فلا يحل له إلا أن ينشد لقطة الحرم كما ينشد غير لقطة الحرم، فإذا أنشدها سنة حلت له.

قال إسحاق: قال جرير الرازي: معنى قوله : «لا تحل لقطتها إلا لمنشد» يقول: إلا الرجل سمع صاحبها ينشدها قبل ذلك، فحينئذ له أخذها، وهذا الذي أختاره، وكذا قال أحمد في رواية أبي طالب. زاد المسافر (٣/ ٢٨٨/ ٢٨٩٩)، الروايتين والوجهين [(٢/٩)].

وقال أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (٢/ ٥٠٨): «فالمعنى: لا تحل لقطتها ألبتة، كما نهى في الحديث الآخر عن لقطة الحاج؛ لأنهم غرباء، ويتفرقون إلى بلدانهم، فمتى أخذ رجل لقطتهم وعرفها وقد تفرقوا لم يقدر على صاحبها، ليس هم كالمقيمين، فأحب أن لا يأخذ أحد لقطة مكة حتى يجدها صاحبها، فيأخذها».

وقال ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (١/٢٠ - مسند ابن عباس): «وأما قوله: «ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف»، فإنه يقول القائل فيه: وهل لملتقط في غير الحرم التقاط لقطة لغير التعريف، فيخص الحرم بأن لقطتها لا تحل إلا لمعرف؟ فيقال له: إن معنى ذلك بخلاف ما ظننت، وإنما معنى ذلك: ولا يحل التقاط لقطتها إلا للتعريف خاصة، دون الانتفاع بها، وذلك أن اللقطة في غيرها لواجدها الانتفاع بها بعد تعريفها حولاً، على أنه ضامنها لصاحبها إذا حضر، وليس ذلك لملتقطها في الحرم، إنما له إذا التقطها فيه تعريفها أبداً، من غير أن يكون له الانتفاع بها أو بشيء منها في وقت من الأوقات، حتى يأتيه صاحبها»، ثم أطال في بيان هذا المعنى، وكان مما قال: فلم يكن له وجه يوجه إليه يصح معناه غير الذي قلناه، من أنه إذا أباح للمعرفة التقاط لقطته، ولم يطلق له الاستمتاع بها بعد تعريفه إياها مدة مؤقتة، كما أطلق ذلك في لقط سائر البلاد غيره؛ أنه لا شيء له من التقاطها إلا التعريف، وأنه إن أخذها ليسلك بها سبيل لقط سائر البلاد وغيرها في أنه إذا عرفها سنة أو ثلاث سنين أو أكثر من ذلك استمتع بها إن لم يأت صاحبها؛ كان آثماً متقدماً على نهي رسول الله .

وقال ابن المنذر بعد حديث معاذة عن عائشة: وهو مذهب أحمد بن حنبل؛ أن لا فرق بين لقطتها ولقطة غيرها. وفيه قول ثان: وهو أن لقطتها لا تحل البتة، وليس

<<  <  ج: ص:  >  >>