حيث لا يُعرف ابن حاطب بتدليس ولا إرسال خفي، فالأشبه حمل عنعنته على السماع، وقد صحح حديثه هذا: مسلم وأبو عوانة، وابن حبان، والحاكم، والله أعلم.
قال الطحاوي في معناه: أن الحج يجمع أهل البلدان المختلفة الذين يتفرقون من حجتهم إلى مواطنهم، ثم عسى أن لا يلتقوا بعد ذلك، فأمر من وجد ما سقط منهم - إن كان الذي يغلب على قلبه أنه لا يقدر على صاحبه - أن لا يتعرض للقطته خوف بقائها في ضمانه حتى يلقى بها ربها، وأنها بخلاف اللقطة التي يرجو لقاء ربها ليدفعها إليه، ويكون أخذه إياها لحفظها عليه، لا لما سوى ذلك، والله الموفق.
مسألة:
قال العمراني في البيان (٧/ ٥٤٤): «إذا وجد هدياً ضالاً في أيام منى أو قبلها، فقد قال ابن القاص: أخذه وعرَّفه، فإن لم يجد صاحبه، وخاف أن يفوته الذبح؛ ذبحه». وأما لقطة الحرم: فإنها لا تلتقط إلا لمعرف؛ وفيها أحاديث، منها:
١ - حديث أبي هريرة:
رواه يحيى بن أبي كثير: أخبرني أبو سلمة؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: إن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث، عام فتح مكة، بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله ﷺ، فركب راحلته، فخطب، فقال: إن الله ﷿ حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يُخبط شوكها، ولا يُعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يُعطى - يعني: الدية، وإما أن يُقاد - أهل القتيل، قال: فجاء رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه، فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال:«اكتبوا لأبي شاه»، فقال رجل من قريش إلا الإذخر، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال رسول الله ﷺ:«إلا الإذخر».
أخرجه البخاري (١١٢ و ٢٤٣٤ و ٦٨٨٠)، ومسلم (١٣٥٥)، ويأتي تخريجه بطرقه في السنن برقم (٢٠١٧)، إن شاء الله تعالى.
٢ - حديث ابن عباس: أن رسول الله ﷺ قال: «لا يُعضد عِضاهها، ولا يُنفّر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد»، ولا يختلي خلاها فقال عباس يا رسول الله، إلا الإذخر، فقال:«إلا الإذخر».
وله طرق عن ابن عباس: أخرجها البخاري (١٣٤٩ و ١٥٨٧ و ١٨٣٣ و ١٨٣٤ و ٢٠٩٠ و ٢٤٣٣ و ٢٧٨٣ و ٢٨٢٥ و ٣٠٧٧ و ٣١٨٩ و ٤٣١٣)، ومسلم (١٣٥٣)، ويأتي تخريجه بطرقه في السنن برقم (٢٠١٨)، إن شاء الله تعالى.
مسألة: فإن التقطها ملتقط فهل حكمها حكم سائر البلدان، أم لا؟
أ - روى وكيع بن الجراح، وحجاج بن منهال:
حدثنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه، قال: التقطت بدرة