والمحفوظ في حديث قتادة: ما رواه عنه أكثر أصحابه، وفيهم هشام الدستوائي، وهو: من أثبت أصحاب قتادة، رووه: عن قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أبي مسلم الجذمي، عن الجارود بن المعلى، أنه سأل النبي ﷺ عن الضوال، فقال رسول الله ﷺ:«ضالة المسلم حَرَقُ النار».
والحاصل: فإن هذا الحديث إنما يحفظ من حديث الجارود بن المعلى، ولا يثبت من حديث عبد الله بن الشخير، وعليه يدل كلام إمام علم العلل ابن المديني، حيث قال في علله (١٨٩): «حديث الجارود بن المعلى، عن النبي ﷺ: الضالة. رواه أبو العلاء، عن مطرف، عن أبي مسلم الجذمي، عن الجارود وحده.
ورواه حميد، عن الحسن، عن مطرف عن أبيه. خالف حميد: أبا العلاء»، والله أعلم.
وروي من حديث عصمة بن مالك [أخرجه الطبراني في الكبير (١٧/ ١٨٤/ ٤٨٩)] [وهو حديث باطل؛ راويه عن عصمة: عبيد الله بن عبد الله بن موهب، وهو: مجهول. ضعفاء العقيلي (٤/ ٤١٥)، الثقات (٥/ ٧٢)، مشاهير علماء الأمصار (٤٩٣)، بيان الوهم (٥/ ١١١ و ١٤٥/ ٢٣٦٦ و ٢٣٨٧)، التهذيب (٣/١٦)، والراوي عنه: الفضل بن المختار: أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل، عامة ما يرويه لا يتابع عليه اللسان (٦/ ٣٥٢)، وشيخ الطبراني: أحمد بن رشدين المصري، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد، وهو ضعيف، واتهم انظر: اللسان (١/ ٥٩٤)].
قال الطحاوي في توجيه هذا الوعيد: فكان سؤالهم النبي ﷺ عن أخذها لأن يركبوها؛ لا لأن يعرفوها، فأجابهم بأن قال:«ضالة المسلم حرق النار»، أي: إن ضالة المسلم حكمها أن يحفظ على صاحبها حتى تؤدى إلى صاحبها، لا لأن ينتفع بها لركوب ولا لغير ذلك، فبان بذلك معنى هذا الحديث وأن ذلك على ما قد ذكرنا. وقال الطحاوي أيضاً (٤/ ١٣٦) بعد حديث عبد الله بن عمرو: «ففي هذا الحديث أيضاً إباحة أخذ الضوال التي قد يخاف عليها الضياع وحبسها له، فدل ذلك على أن معنى قول رسول الله ﷺ: إن ضالة المسلم أو المؤمن حرق النار»، وقول النبي ﷺ:«لا يأوي أو يؤوي الضالة إلا ضال» إنما أراد بذلك الإيواء الذي لا تعريف مع ذلك، والأخذ الذي لا تعريف مع ذلك أيضاً؛ اللذين هما ضد الحبس على صاحب الضوال، حتى يتفق معنى حديثنا هذا، ومعنى ذينك الحديثين، ولا يتضاد هذا الحديث وذينك الحديثين أيضاً، وفيما قد بين النبي ﷺ في الإبل بقوله:«ما لك وما لها؟ معها سقاؤها وحذاؤها ولا يخاف الذئب عليها»؛ دليل على أنه لم يطلق له أخذها لعدم الخوف عليها، وفي إباحته لأخذ الشاة لخوفه عليها من الذئب دليل على أن الناقة كذلك أيضاً؛ إذا خيف عليها من غير الذئب، وأن أخذها لصاحبها وحفظها على ربها أولى من تركها وذهابها».
قال أبو عبيد في غريب الحديث (١/ ٤٣١): وبعض الناس يحمل معنى هذين