والمرابحة قبل تعريفها، فصار متعدياً على مال غيره؛ حيث لم يعرفه، ولم يطلب صاحبه، فكيف يملك ربح مال غيره، ولم يأذن له الشرع في التصرف فيه حتى يعرفه أولاً، ثم يستوفي حولاً في تعريفه؛ فلا يجد من يعرفه؛ حينئذ يجوز له الاستمتاع به، وهذا الذي أتى به أبو سعيد في هذه الرواية: خلاف ما ثبت عن عمر؛ والثابت عنه: أنه إنما أجاز التصرف في اللقطة بالتملك أو الصدقة بعد سنة من تعريفها، فقد ثبت عنه من رواية ثلاثة من الصحابة: سفيان بن عبد الله الثقفي، وعبد الله بن بدر الجهني، وأبي سعاد الجهني: الأمر بتعريفها سنة، ثم إباحة تملكها والتصرف فيها، وثبت عنه أيضاً من رواية الصحابي أبي عقرب الكناني، ومن رواية المخضرم سويد بن غفلة: الأمر بتعريفها سنة، ثم إباحة التصدق بها بعد ذلك؛ فهؤلاء أربعة من الصحابة، ومعهم أحد كبار المخضرمين المشهورين بالعلم سويد بن غفلة؛ الذي ولد مع النبي ﷺ عام الفيل، وقيل: بعده بسنتين، وكان أسن من عمر بن الخطاب، ثم إنه عمر مائة وثلاثين سنة، وكان مشهوراً بالعلم والرواية عن كبار الصحابة.
وأبو سعيد مولى أبي أسيد: مجهول، لم يرو عنه سوى أبي نضرة المنذر بن مالك، ووهم من زعم أن له صحبة، وعامة ما يرويه آثار عن الصحابة، مع قلة ما يروي، وإنما الصحبة لمولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة، وأول من ذكره في الصحابة: ابن منده، وقد رد ذلك ابن حجر فقال:«ذكره ابن منده في الصحابة، ولم يذكر ما يدل على صحبته»، وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين [انظر: طبقات ابن سعد (٥/ ٨٨) و (٧/ ١٢٨)، تاريخ ابن معين للدوري (٤/ ٣٢٧/ ٤٦٢٦)، كن مسلم (١٣٥٦)، معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي (٤/ ٢٩٠)، الثقات (٥/ ٥٨٨)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (٣/ ٤٣٩/ ٢٨٢٧)، فتح الباب (٣٢٠٢)، معرفة الصحابة لابن منده (٢/ ٨٨٨)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (٥/ ٦٨٢٥/ ٢٩١١)، الاستغناء في الكنى لابن عبد البر (٣/ ٤٩٨/ ٢٣٣٦)، أسد الغابة (٦/ ١٣٧)، الإصابة (٧/ ١٦٨)].
• ورواه يزيد بن هارون [ثقة متقن، ممن سمع من الجريري بعد الاختلاط]، وحماد بن سلمة [ثقة، سمع من الجريري قبل الاختلاط]:
عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى بني أسيد، قال: كنت ألتقط النوى بالمدينة فأؤدي إلى موالي الضريبة، وكان همشاريج أضع عنده ما فضل، فبينا أنا ذات ليلة ألتقط إذ أصبت ظبية فيها ألف ومائتا درهم وقلبان من ذهب، … فذكر قصة طويلة منكرة، وفيها: أنه كاتب بها مولاه أبي أسيد فأعتقه ورد عليه المائتين والقلبين، فعمل فيها وتزوج منها، ثم عمل فيها حتى عادت إلى ما كانت فتحرج منها؛ فأعلم عمر، فأمره أن يعرفها حولاً؛ فلم يجد من يعرفها فأخذها منه عمر، وقال: لك ما ربحت، وكان قد أجاز عتقه، وأباح له العمل فيها قبل تمام الحول.
قال في تمام الرواية: قال: أكاتبك على ألف ومائتي درهم، فكاتبني على ألف