لغابر الزمان، فكأنه قال: إذا كان الشيء مفوضاً إليكِ موكولاً إلى تدبيرك، فاقتصري على قدر الحاجة في النفقة، وتصدقي بالباقي، ولا تدخري، والله أعلم».
وقد سبق الكلام عن هذه المسألة، مع استيعاب أدلتها قدر الإمكان، ومما قلت هناك: وبهذا يتبين أن هذا المقدار المأذون فيه للمرأة والخازن والمملوك، بالتصرف فيه من مال الزوج والسيد؛ إنما هو من هذا النوع الذي تدفع به المسغبة: من إطعام الجائع، وقرى الضيف، والصدقة على المسكين، فهو شيء يسير لا يفسد المال، ولا يضيعه، بدليل منطوق حديث عائشة:«إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة»؛ يعني: طعام البيت المأذون لها في التصرف فيه، ويدل عليه أيضاً حديث أسماء، قالت: قلت: يا رسول الله! ما لي مال إلا ما أدخل عليَّ الزبير، فأتصدَّق؟ قال:«تصدقي، ولا توعي؛ فيوعى عليك»، وفي رواية: يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يُدخل عليَّ؟ فقال:«ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك»، ففيه أنه أمرها بالصدقة مما وضعه الزبير تحت تصرفها من طعام البيت ونفقتها؛ فلا ينبغي للزوج أن يمنع منه، ولا للسيد أن يمنع مملوكه من التصرف فيه، إذ هو من مكارم الأخلاق التي جاءت بها الشريعة، وعلى هذا فإن حديث أبي أمامة في المنع من التصرف إلا بإذن الزوج؛ محمول على التصرف المفسد، المضيع لمال الزوج، وفيما فيه تعد على ما لم يؤذن له فيه بالتصرف، مما هو محرز عن المذكورين، جمعاً بين أحاديث الباب، والله أعلم. [راجع: الأحاديث المتقدمة برقم (١٦٨٥ - ١٦٨٨)].
• وأما أصل الادخار فهو جائز، وقد سبق الاستدلال عليه في آخر المجلد الحادي والعشرين، تحت الحديث رقم (١٦٦٤).
وقلت بأن الأحاديث الصحيحة قاضية، بأن ليس على المكلف سوى ما افترض الله عليه من الزكاة المفروضة؛ باستثناء الحق الواجب فيما دون الزكاة:
مثل ما رواه مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه: أنه سمع طلحة بن عبيد الله، يقول: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ من أهل نجد ثائر الرأس، يُسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا؛ فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله ﷺ:«خمس صلوات في اليوم والليلة» قال: هل علي غيرهن؟ قال:«لا إلا أن تطوع».
قال: وذكر له رسول الله ﷺ صيام شهر رمضان، قال: هل علي غيره؟ قال:«لا إلا أن تطو» ع. قال: وذكر له رسول الله ﷺ الصدقة، قال: هل علي غيرها؟ قال:«لا إلا أن تطوع». فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله ﷺ:«أفلح إن صدق».
وهو حديث متفق على صحته [أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٢٤٨ - ٢٤٩/ ٤٨٥)، ومن طريقه: البخاري (٤٦ و ٢٦٧٨)، ومسلم (١١/٨)، وتقدم في فضل الرحيم الودود (٤/ ٣٩١/ ٣٥٥)].