أبا طلحة ملكهم الحديقة المذكورة، ولم يقفها عليهم؛ إذ لو وقفها ما ساغ لحسان أن يبيعها، فيعكر على من استدل بشيء من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف؛ إلا فيما لا تخالف فيه الصدقة الوقف، ويحتمل أن يقال: شرط أبو طلحة عليهم لما وقفها عليهم، أن من احتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها، وقد قال بجواز هذا الشرط بعض العلماء، كعلي وغيره، والله أعلم [وانظر: الطبقات لابن سعد (٥/ ١٥٦ - ط الخانجي)].
ج - ورواه عفان بن مسلم، وبهز بن أسد، وأبو داود الطيالسي [وهم ثقات حفاظ]: حدثنا همام بن يحيى [بصري، ثقة]: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس؛ أن أبا طلحة أتى النبي ﷺ وهو على المنبر، فقال للنبي ﷺ: ماذا ترى؟ نزلت هذه الآية، قال: إن الله ﷿ قال: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]، وإنه ليس لي مال أحب إلي من أرضي بَيْرُحَاء، وإني أتقرب بها إلى الله ﷿، قال: فقال رسول الله ﷺ: «بخ بخ، بيرحاء خير رابح»، فقسمها بينهم حدائق. لفظ عفان عند أحمد.
ولفظ بهز عند ابن خزيمة: لما نزلت: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]، أتى أبو طلحة رسول الله ﷺ وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله! ليس لي أرض أحب إلي من أرضي باريحا، فقال النبي ﷺ:«بريحا خير رايح» [وفي نسخة: «بريحا خير رائج»] أو: «خير رابح» - يشك الشيخ -، فقال أبو طلحة: وإني أتقرب بها إلى الله، فقال:«اجعلها في قرابتك»، فقسمها بينهم حدائق.
ولفظ الطيالسي: لما نزلت هذه الآية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ﴾ الآية، جاء أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ، فقال: أرى الله يستقرضنا، وإني أشهدك أن أرضي بأريحاء [كذا، ولعلها: باريحاء] صدقة، فليضعها رسول الله ﷺ حيث شاء، فقال رسول الله ﷺ:«ضعها في قرابتك»، قال: فجعلها حدائق بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب.
أخرجه ابن خزيمة (٤/١٠٣/٢٤٥٥)(٣/٢٠٦/٢٥١٢ - ط التأصيل)، وأحمد (٣/ ٢٥٦)(٦/٢٩٠٣/١٣٨٩٥ - ط المكنز)، والطيالسي (٣/٥٥٤/٢١٩٣)، وابن بشران في الأمالي (١١٢٣). [الإتحاف (٣٣٠)، المسند المصنف (٢/١٣١/٦٦٤)].
قال ابن بشران:«هذا حديث صحيح، من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو حديث عال، وإسناده كلهم ثقات».
قلت: وهو كما قال؛ حديث صحيح.
د - ورواه محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالك، قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، وقال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [الحديد: ١١]، جاء أبو طلحة، فقال: يا رسول الله! حائطي الله، ولو استطعت أن أسرَّه لم أعلنه، قال:«اجعله في قرابتك، وفقراء أهلك» [وفي رواية: «اجعله في فقراء أهلك»، أو:«قرابتك»]، فقال أنس: فجعلها لحسان وأبي، ولم يجعل لي منها شيئاً؛ لأنهما كانا أقرب إليه. لفظه عند أبي نعيم، وبنحوه عند البزار، واقتصر البخاري