والضرورات من حقهم في مال المكلف بما لا يضر به على ما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى، وفي هذا إشارة إلى إنكار النبي ﷺ على السيد بخله باليسير، من الحق الزائد في مال المكلف، مما يجب عليه بحسب مقتضى الحال، لحاجة عرضت، أو نازلة وقعت، من ضيف مضطر، أو جائع، أو عار، مما تجب فيه المواساة التي تزول بها هذه الضرورات، وتدفع بها المسغبة والحاجة، ويكون ذلك بقدر دفع النازلة، ورفع الضرر الواقع، وقد يتعين في بعض الأحوال دون بعض، وكان مثله مما لا يضر بمال السيد والزوج، كما جاء القيد في حديث عائشة:«غير مفسدة»، كما ينبغي أن يفرق هنا بين تصرف صاحب المال وإذنه في ذلك، وبين تصرف الخازن والزوجة والمملوك، كل بحسبه، وبحسب الإذن العرفي، أو الإذن العام، على ما سيأتي بيانه في فقه المسألة، إن شاء الله تعالى.
وممن أباح للمملوك التصرف في الشيء اليسير:
أ - روى علي بن الجعد، ووكيع بن الجراح، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، ومعمر بن راشد [وهم ثقات أثبات]:
أنبأ ابن أبي ذئب، عن درهم [وفي رواية معمر: أخبرني درهم]، قال: فرض علي سيدي كل يوم درهماً، فأتيت أبا هريرة، فقال: اتق الله، وأد حق الله عليك وحق مواليك، فإنك لا تملك من مالك، ولا من دمك؛ إلا أن تضع يدك، أو تطعم مسكيناً لقمة. لفظ ابن الجعد، ولفظ أبي عاصم مختصر.
ولفظ وكيع [عند ابن أبي شيبة]: سألت أبا هريرة، قلت: إنه قد جعل علي مولاي درهماً في اليوم؛ فأتصدق؟ قال: لا يحل لك من دمك ولا من مالك شيء إلا بإذنه؛ تناول المسكين اللقمة.
أخرجه عبد الرزاق (٤/ ٧٥/ ٧٠٢١)، وابن أبي شيبة (٢/ ٣٩١/ ١٠٢٧٩)(٦/ ٢٧٢/ ١٠٥٦٥ - ط الشثري)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (٢٨٢٤)، والبيهقي (٤/ ١٩٤) و (٨/٩).
وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد رجاله ثقات؛ سو درهم مولى حمزة، ذكره ابن حبان في الثقات، ولا يُعرف بغير هذا الأثر؛ فهو مجهول [التاريخ الكبير (٣/ ٢٥٢)، الجرح والتعديل (٣/ ٤٣٥)، الثقات (٤/ ٢٢٠)، الثقات لابن قطلوبغا (٤/ ١٩٧)].
قال البيهقي:«وممن روي عنه أنه أباح له أن يتصدق بالشيء اليسير من ماله: أبو هريرة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومكحول، إلا أن مكحولاً علل بأنه يتحلله»[راجع: أسانيدها في المصنفين لعبد الرزاق وابن أبي شيبة، نفس الباب السابق].
• وممن منع المملوك من التصرف؛ إلا للضرورة:
١ - روى الحكم بن عتيبة [كوفي، ثقة ثبت، فقيه] [وعنه: شعبة، وعبد الملك بن