للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مرادها: الزجر عن ضده، وهو بذل الثوب، وفي هذا دليل على أن المرء إذا أخرج شيئاً للصدقة، فما لم يقع في يد المتصدق به عليه له أن يرجع فيه، وفيه دليل على أن المرء غير مستحب له أن يتصدق بماله كله؛ إلا عند الفضل عن نفسه وعمن يقوته».

وقال ابن حزم في المحلى (٦/ ٢٦٠): «وأما قولهم: (جهد المقل) ففي حديث أبي هريرة هذه اللفظة الموصولة بقوله : «وابدأ بمن تعول»، فبيّن هذا القول أنه جهده بعد كفاف من تعول».

وقال ابن حزم أيضاً (٧/ ١٤٥): «والحق الواضح هو ما قلناه، وهو أن كل بالغ مخاطب مكلف أحكام الشريعة، فحكمهم كلهم سواء في أنهم مندوبون إلى الصدقة والعتق، مباح لهم البيع والنكاح والشراء، محرم عليهم إتلاف المال بالباطل وإضاعته والخديعة عنه والصدقة بما لا يبقي لهم غنى؛ كما قال رسول الله : «الصدقة عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول»».

وقال البيهقي في الجمع بين الأدلة: إنما يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الشدة والفاقة والاكتفاء بأقل الكفاية، وبالله التوفيق [السنن الكبرى (٤/ ١٨٠)].

وقال ابن قدامة في المغني (٣/ ١٠٢): «والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه على الدوام؛ لقول النبي : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول» متفق عليه، فإن تصدق بما ينقص عن كفاية من تلزمه مؤنته، ولا كسب له، أثم؛ لقول النبي : «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يمون»، ولأن نفقة من يمونه واجبة، والتطوع نافلة، وتقديم النفل على الفرض غير جائز؛ فإن كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم، فأراد الصدقة بجميع ماله، وكان ذا مكسب، أو كان واثقاً من نفسه، يحسن التوكل والصبر على الفقر، والتعفف عن المسألة، فحسن؛ … »، ثم ذكر الأدلة في الرخصة، ثم قال: «وإن لم يوجد في المتصدق أحد هذين كره»، ثم قال: «ولأن الإنسان إذا أخرج جميع ماله، لا يأمن فتنة الفقر، وشدة نزاع النفس إلى ما خرج منه فيندم، فيذهب ماله ويبطل أجره، ويصير كلاً على الناس، ويكره لمن لا صبر له على الإضاقة، أن ينقص نفسه من الكفاية التامة، والله أعلم».

وقال ابن حجر في الفتح (٣/ ٢٩٥): «قال الطبري وغيره: قال الجمهور: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله؛ حيث لا دين عليه، وكان صبوراً على الإضاقة، ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضاً؛ فهو جائز، فإن فقد شيء من هذه الشروط كره. وقال بعضهم: هو مردود، وروي عن عمر حيث ردَّ على غيلان الثقفي قسمة ماله، ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره، فإنه باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبره، لكونه كان محتاجاً، وقال آخرون: يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان، وهو قول الأوزاعي ومكحول، وعن مكحول أيضاً: يرد ما زاد على النصف، قال الطبري: والصواب عندنا الأول من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب: أن يجعل ذلك من الثلث، جمعاً بين قصة أبي بكر وحديث كعب، والله أعلم».

<<  <  ج: ص:  >  >>