للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ما كان عفواً قد فضل عن غنى، والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعاً للكلام، كقولهم في الصنيعة إذا تبرع بها صاحبها: أعطى فلان فلاناً ألف درهم عن ظهر يد؛ أي: أعطاه تبرعاً على غير عوض، وحقيقته أنه إنما أعطاه من أجل أن يتخذ به عنده يداً، والمعنى: أن أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله، بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية لأهله وعياله، ولذلك يقول: «وابدأ بمن تعول»».

وقال في المعالم (٢/ ٧٧): «وقوله : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى»؛ أي: عن غنى يعتمده، ويستظهر به على النوائب التي تنوبه، كقوله في حديث آخر: «خير الصدقة ما أبقت غنى».

وفي الحديث من الفقه: أن الاختيار للمرء أن يستبقي لنفسه قوتاً، وأن لا ينخلع من ملكه أجمع مرة واحدة؛ لما يخاف عليه من فتنة الفقر، وشدة نزاع النفس إلى ما خرج من يده، فيندم، فيذهب ماله، ويبطل أجره، ويصير كلاً على الناس.

قلت: ولم ينكر على أبي بكر الصديق خروجه من ماله أجمع؛ لما علمه من صحة نيته، وقوة يقينه، ولم يخف عليه الفتنة؛ كما خافها على الرجل الذي رد عليه الذهب».

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (٣/ ٤٢٨): «قال بعض أهل العلم: في قوله : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول؛ دليل على أن النفقة على الأهل أفضل من الصدقة، لأن الصدقة تطوع، والنفقة على الأهل فريضة، وقوله: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى»؛ أي: لا صدقة إلا بعد إحراز قوته وقوت أهله، لأن الابتداء بالفرائض قبل النوافل أولى، وليس لأحد إتلاف نفسه وإتلاف أهله بإحياء غيره، وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه وأهله، إذ حق نفسه وحق أهله أوجب عليه من حق سائر الناس، ولذلك قال: (وابدأ بمن تعول)، وقال لكعب: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك»، … » ثم أطال في الجمع بين أدلة الباب.

ثم قال: وأما قوله [يعني: البخاري]: وأما من تصدق وعليه دين، فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو رد عليه. فهو إجماع من العلماء لا خلاف بينهم فيه. وقوله: إلا أن يكون معروفاً بالصبر، فيؤثر على نفسه. فإنما يرجع هذا الاستثناء إلى قوله: من تصدق وهو محتاج، ولا يرجع إلى قوله: أو عليه دين، للإجماع الذي ذكرنا، ومن بلغ منزلة الإيثار على نفسه، وعلم أنه يصبر على الفقر، ويصبر أهله عليه، فمباح له أن يؤثر على نفسه، ولو كان بهم خصاصة، وجائز له أن يتصدق وهو محتاج، ويأخذ بالشدة كما فعل الأنصار بالمهاجرين، وكما فعل أبو بكر الصديق ، وإن عرف أنه لا طاقة له ولا لأهله على مقارعة الفقر والحاجة، فإمساكه لماله أفضل، لقوله : «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك»، وقوله: «وابدأ بمن تعول».

وقال ابن حبان (٦/ ٢٥١/ ٢٥٠٥): «قوله : «خذ ثوبك»، لفظة أمر بأخذ الثوب

<<  <  ج: ص:  >  >>