ما رواه جماعة الثقات الحفاظ عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعاً. فإن قيل: هذا الإسناد على شرط الشيخين، وقد أخرجا به أحاديث. [انظر: صحيح البخاري (٥٤٤٤ و ٦٤١٦)، صحيح مسلم (٤٤٢ و ٢٨٠١)].
فيقال: الأعمش لم يسمع من مجاهد سوى أحاديث يسيرة، اختلف الأئمة في عددها، فمنهم من قال: أربعة، ومنهم جعلها ثمانية، ومنهم من عدها عشرة، وقد أوصلها البخاري - بتتبع ما صرح فيه الأعمش بالسماع من مجاهد - إلى قريب من الثلاثين [راجع: بحث هذه المسألة في فضل الرحيم الودود (٥/ ٤٦٤/ ٤٨٩)].
وقلت هناك: بأن الضابط لهذه المسألة: أن نقبل ما صرح فيه الأعمش بالسماع من مجاهد - من طريق صحيح ثابت عنه، وطرح ما سوى ذلك؛ فإنه مما دلسه ولم يسمعه من مجاهد.
لا سيما وقد قال أبو حاتم بعد حديث:«ليس الواصل بالمكافئ»: «وأنا أخشى أن لا يكون سمع هذا الأعمش من مجاهد، إن الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يروي عن مجاهد: مدلس»، وقال ابن معين:«الأعمش سمع من مجاهد، وكل شيء يروي عنه لم يسمع [يعني: لم يذكر السماع]: إنما [هي] مرسلة مدرّسة» [علل الترمذي الكبير (٤٧ و ٤٩)، العلل ومعرفة الرجال (١/ ٢٥٥/ ٣٦٤)، تاريخ ابن معين للدوري (٣/ ٣٢٧/ ١٥٧٠)، من كلام أبي زكريا في الرجال (٥٩)، الجرح والتعديل (١/ ٢٢٤ و ٢٢٧ و ٢٤١)، العلل لابن أبي حاتم (٢/ ٢١٠/ ٢١١٩)، الكامل لابن عدي (٢/ ٢٢٤)، شرح علل الترمذي (٢/ ٨٥٣)، جامع التحصيل (١٨٩)، تحفة التحصيل (١٣٦)، الإكمال لمغلطاي (٦/ ٩٢)، التهذيب (٢/ ١١١)].
لكن بالنظر إلى تصرف الشيخين في أحاديث الأعمش عن مجاهد:
فيقال: قد أخرج البخاري للأعمش عن مجاهد في صحيحه: ستة أحاديث، توبع الأعمش في بعضها، وصرح في بعضها بالسماع من مجاهد. [انظر: صحيح البخاري (٢١٨ و ١٣٦١ و ١٣٧٨ و ٦٠٥٢) و (٨٦٥) و (١٣٩٣ و ٦٥١٦) و (٥٤٤٤) و (٥٩٩١) و (٦٤١٦)]، وكذلك فإن ما أخرجه مسلم للأعمش عن مجاهد فهو مما توبع عليه، أو مما صرح فيه بالسماع، أو مما رواه عنه شعبة، وهو لا يروي عن الأعمش إلا مسموع حديثه.
فعلى هذا: ما ثبت السماع فيه للأعمش عن مجاهد قبلناه، وكذلك ما رواه شعبة عن الأعمش عن مجاهد.
وما لم نقف فيه على سماع ثابت، مثل حديثنا هذا، فينظر: هل توبع عليه الأعمش عن مجاهد بحيث تطمئن النفس إلى ثبوت الحديث، فيقبل؛ وإلا فلا.
ولهذا الحديث طرق أخرى عن مجاهد:
أ - فقد رواه أبو بكر بن عياش وعنه: ثابت بن محمد الزاهد، وهو: صدوق، عن ثابت، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «من سألكم بالله فأعطوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه».