للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والرابع: أن لا يكون عليه في ورود المواشي إلى مائه ضرر يلحقه في زرع ولا ماشية، فإن لحقه بورودها ضرر منعت وجاز للرعاة استقاء فضل الماء لها.

فإذا كملت هذا الشروط الأربعة: لزمه بذل الفضل، وحرم عليه أن يأخذ له ثمناً».

وقال المازري في المعلم (٢/ ٢٨٨): «ومحمل النهي عن بيع الماء مطلقاً: أنه باع مجهولاً منه، أو باع ما لم يحتفره في أرضه، واحتفره للسبيل، أو على أن النهي ندب للإسعاف به؛ لاحتقار ثمنه وعظيم حاجة الناس إليه».

ثم قال: «وقد اختلف الناس فيمن حفر بئراً للماشية في الفيافي: هل له منع فضله؟ فعندنا: ليس له منع ذلك، بل يبذله بغير عوض، ومن الناس من قال: لا يمنعه؛ ولكن ليس عليه بذله بغير عوض، بل بقيمته؛ قياساً على المضطر لطعام غيره لإحياء نفسه، فإنه لا يحل له منعه، ولكن لا يلزمه بذل بغير عوض، وما وقع ها هنا من نهيه عن بيع فضل الماء يدل على صحة ما قلناه: إن الفضلة لا تمنع، وأما إلزام المخالف بذلها بالقيمة قياساً على ما قالوه في الطعام؛ فقياس غير صحيح؛ لأن الطعام يضر به بذله، ولا يخلف ما بذله إلا بسعي ومشقة، والماء ما ذهب منه عاد إليه مثله، وتفجرت به الأرض، فافترق الأصلان».

وقال ابن القيم في الزاد (٥/ ٧٠٨): «الماء خلقه الله في الأصل مشتركاً بين العباد والبهائم، وجعله سقيا لهم، فلا يكون أحد أخص به من أحد، ولو أقام عليه، وتنأ عليه».

ثم قال: «فأما من حازه في قربته أو إنائه، فذاك غير المذكور في الحديث، وهو بمنزلة سائر المباحات إذا حازها إلى ملكه، ثم أراد بيعها كالحطب والكلأ والملح».

ثم قال: «محل النهي صور: أحدها: المياه المنتقعة من الأمطار إذا اجتمعت في أرض مباحة، فهي مشتركة بين الناس، وليس أحد أحق بها من أحد إلا بالتقديم لقرب أرضه … ، فهذا النوع لا يحل بيعه ولا منعه، ومانعه عاص مستوجب لوعيد الله، ومنع فضله؛ إذ منع فضل ما لم تعمل يداه.

فإن قيل: فلو اتخذ في أرضه المملوكة له حفرة يجمع فيها الماء، أو حفر بئراً، فهل يملكه بذلك، ويحل له بيعه؟ قيل: لا ريب أنه أحق به من غيره، ومتى كان الماء النابع في ملكه، والكلأ والمعدن؛ فوق [لعله: قدر] كفايته لشربه وشرب ماشيته ودوابه، لم يجب عليه بذله، نص عليه أحمد، وهذا لا يدخل تحت وعيد النبي ، فإنه إنما توعد من منع فضل الماء، ولا فضل في هذا، وما فضل منه عن حاجته وحاجة بهائمه وزرعه، واحتاج إليه آدمي مثله، أو بهائمه، بذله بغير عوض، ولكل واحد أن يتقدم إلى الماء ويشرب، ويسقي ماشيته، وليس لصاحب الماء منعه من ذلك، ولا يلزم الشارب وساقي البهائم عوض، … ». ثم ذكر تفصيلاً في مسألة الزرع، وأن الزرع يلحق بالماشية لاشتراكه معه من جهة حرمة إتلاف المال، ثم قال: فإن قيل: فإذا كان في أرضه أو داره بئر نابعة، أو عين مستنبطة، فهل تكون ملكاً له تبعا لملك الأرض والدار؟ قيل: أما نفس البئر وأرض العين فمملوكة لمالك الأرض، وأما الماء ففيه قولان وهما روايتان عن أحمد، ووجهان

<<  <  ج: ص:  >  >>