المباح، لعلمه أن لا مقام لهم بالموضع إذا منعهم ماء بئره على غير ماء، فنهوا عن بيع [وفي الأوسط: عن منع] فضل الماء لهذا المعنى، والله أعلم»، … إلى آخر ما قال، وقد نقل في ذلك أقوال بعض أهل العلم، مثل: الليث بن سعد، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وسفيان الثوري، وعطاء، وابن سيرين، والحسن.
وقال في الإقناع (١/ ٢٥٢): «ولا يجوز أن يبيع فضل الماء، ويجوز بيع الماء المعلوم في القربة أو الراوية، ولا يجوز بيع ما هو منه مجهول؛ مثل: أن يبيعه ما يجري في نهر يوماً وليلة، وذلك لأنه مجهول قد يزيد وينقص، ولا يوقف له على حد».
وقال ابن حبان (١١/ ٣٣٠/ ٤٩٥٤): «أضمر فيه الماء الذي لا يقع فيه الحوز، ولا يتملكه أحد ما دام مشاعاً مثل المياه الجارية المشتركة بين الناس، ويحتمل أن يكون معناه: الماء الذي يكون للمرء في البادية من بئر، أو عين، فينتفع به، ويمنع الناس ما فضل عنه، فنهي عن منع المسلمين ما فضل من مائه بعد قضاء حاجته عنه، لأن في منعه ذلك منع الناس عن الكلأ».
وقال الخطابي في أعلام الحديث (٢/ ١١٦٤): «هذا في الرجل يحفر البئر في الأرض الموات، فيملكها بالإحياء، وبقرب البئر موات فيه كلاً ترعاه الماشية، فلا يكون لهم مقام إذا منعوا الماء، فأمر ﷺ صاحب البئر أن لا يمنع الماشية الراعية هناك فضل مائه، لئلا يكون مانعاً للكلأ، والنهي في هذا على التحريم عند مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي. وقال آخرون: ليس النهي فيه على التحريم، إنما هو من باب المعروف، كأمره الجار أن لا يمنع جاره من غرز خشبة في جداره، ونحو ذلك من حقوق المعروف» [وقال نحوه وزاد عليه في المعالم (٣/ ١٢٧)].
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (٢/ ٦٦٨): «إذا حفر بئراً في موات لسقي ماشية، وبقربها كلاً لا يمكن الرعي فيه إلا بالشرب منها؛ لم يجز له منع ما زاد على قدر حاجته لنفسه وبهائمه، ولزمه إباحته لغيره ممن يحتاج إليه بغير عوض، وقال قوم: يلزمه بذله بالعوض، وقال بعض الشافعية: يستحب له بذله ولا يلزمه على كل وجه، ودليلنا على أنه يلزمه: قوله ﷺ: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ»، … ».
وقال أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية (٢٢٠): «وبذل هذا الفضل معتبر بأربعة شروط: أحدها: أن يكون في قرار البئر، فإن استقاه لم يلزمه بذله وجاز بيعه.
والثاني: أن يكون متصلاً بكلاً يرعى، فإن لم يقرب من الكلأ لم يلزمه بذله.
والثالث: أن لا تجد المواشي غيره من الماء المباح، فإن وجدت غيره مباحاً لم يلزمه بذله، وعدلت المواشي إلى الماء المباح، فإن كان غيره من الموجود مملوكاً، لزم كل واحد من مالكي الماءين أن يبذل فضل مائه لمن ورد إليه، فإذا اكتفت المواشي بفضل أحد الماءين، سقط الفرض عن الآخر.