ولا سَقْي، يقول: فهو لمن سبق إليه، ليس لأحد أن يحتظر منه شيئاً دون غيره، ولكن ترعاه أنعامهم ومواشيهم ودوابهم معاً، وترد الماء الذي فيه كذلك أيضاً، فهذا: الناس شركاء في الماء والكلأ … ».
إلى أن قال:«وأما قوله: «لا يمنع فضل الماء، ليمنع به فضل الكلأ»، فغير ذلك، وهو عندي في الأرض التي لها رب ومالك، ويكون فيها الماء العِدُّ الذي وصفناه، والكلأ الذي تنبته الأرض من غير أن يتكلف لها ربها لذلك غرساً ولا بذراً، فأراد: أنه ليس يطيب لربها من هذا الماء والكلأ، وإن كان ملك يمينه إلا قدر حاجته لشفته، وماشيته، وسقي أرضه، ثم لا يحل له أن يمنع ما وراء ذلك، ومما يبين لنا أنه أراد بهذه المقالة أهل الملك: ذكره فضل الماء والكلأ، فرخص ﷺ في نيل ما لا غناء له به عنه، ثم حظر عليه منع ما سوى ذلك، ولو كان غير مالك له ما كان لذكر الفضولها هنا موضع، ولكان الناس كلهم في قليله وكثيره شرعاً سواء».
وقال أحمد:«لا يُبَاعُ فضلُ الماءِ، والذي يُحمل في القرب فلا بأس به» [مسائل الكوسج (١٨٧٦)].
وقال أيضاً في رواية أبي طالب:«نهى رسول الله ﷺ عن بيع الماء، ونهى عن بيع نقع البئر، فلا ينبغي لرجل يكون له ماء بئر يمنع ماءها؛ لأن الله ﷿ يخلقه، ولا يبيع نقع ماء البئر، فإن كان لرجل بئر فاستقى منه وحمله وباعه، فله فيه عمل وكلفة، فما باع يكون بعمله، وإذا كان لرجل بئر في داره، فيؤذيه بالدخول عليه فيمنع فلا بأس به، أو يكون لرجل مكان يجعل فيه ماء السماء، فيخاف العطش فلا بأس به» [زاد المسافر (٢/ ٤٤١/ ١٣٥١)].
وانظر: مسائل صالح (٣٣٦ و ٥٧٣ و ٩٦٥)، مسائل أبي داود (١٢٦٧ و ١٢٦٨)، مسائل الكوسج (٢٣٢٥ و ٣٤٤٥)، الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء (٢١٨).
وقال ابن المنذر في الأوسط (١٠/ ١٣٠)، وفي الإشراف (٦/٤٧): «أما نهي النبي ﷺ عن بيع الماء؛ فظاهره ظاهر عام، والمراد منه: منع بعض المياه دون بعض، يدل على ذلك: نهيه عن بيع فضل الماء.
ويدل أيضاً على أن ذلك معناه: إباحة كل من نحفظ قوله من علماء الأمصار، أن يبيع الرجل ما أخذه من مثل النيل أو الفرات في ظرف بثمن معلوم، وغير جائز أن يجمعوا على خلاف سُنَّة رسول الله ﷺ، فدل ما ذكرناه على أن نهيه عن بيع الماء، ليس المراد: صفة جميع المياه، ودل على أن الماء الذي يحوزه المرء ملك له، ليس لأحد أن يغلبه عليه، ولا يأخذه منه إلا بإذنه. ويجوز أن يدخل في نهيه عن بيع الماء المجهول وعبارته في الأوسط: ويحتمل أن يدخل فيما نهي عنه من بيع الماء المجهول، … »، ثم قال:«وأما قوله: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلا»، فإن الرجل فيما بلغنا كان يحتفر البئر بناحية من الأرض، وربما لم يكن يقرب لبئره ماء لأحد، فإذا اختصبت الناحية التي بها بئره، انتجعها أصحاب المواشي، فإن منعهم من ماء بئره، تسبب منعهم ذلك إلى منع الكلا