قال ابن حزم في المحلى (٧/ ٥٥٨): «هذا كله لا شيء؛ أبو خداش هو: حبان بن زيد الشرعبي نفسه، وهو: مجهول».
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (٣/ ٢٩٨): «حبان بن زيد: لا أعلم روى عنه إلا حريز بن عثمان، وقد قيل فيه: مجهول»، وجزم ابن القطان في بيان الوهم (٥/ ٥٢١/ ٢٧٥٩) بأنه مجهول.
ويستفاد من رواية يحيى بن سعيد القطان لحديث أبي خداش هذا: تصحيحه لهذا الوجه بعينه، وأنه لا واسطة بين أبي خداش وبين الصحابي، فقد قال البيهقي عن يحيى بن سعيد بأنه كان يتقي الحديث الغلط ولا يرويه، قال:«وهو يتقي أمثال ذلك [يعني: الحديث الغلط]، فلا يروي إلا ما هو صحيح عنده، والله أعلم» [تقدم نقله بتمامه تحت الحديث السابق برقم (١٥٧٣)]، ولا أحتج هنا بتصحيح القطان للحديث؛ لكونه لم يحدث به ابتداءً، قال أبو حفص عمرو بن علي:«حدثنا يحيى بن سعيد، وسألته عن هذا الحديث؟ فقال: هو عند معاذ قد سمعه من حريز، ما تصنع به؟! فلم أزل به حتى حدثنيه» [المؤتلف للدارقطني (١/ ٤١٤)].
وأبو خداش حبان بن زيد الشرعبي: ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال:«ومن قال: حيان؛ فقد وهم»، وذكره يعقوب بن سفيان في جملة ثقات الشاميين، ثم أعاده في ثقات التابعين من أهل مصر، وروى عنه حريز بن عثمان الحمصي، وهو: ثقة ثبت، من الطبقة الخامسة، كان لا يروي إلا عن ثقة، قال أبو داود:«شيوخ حريز كلهم ثقات»، وقال الذهبي:«وأبو خداش هذا: هو حبان بن زيد الشرعبي الحمصي، ما علمت روى عنه سوى حريز، وشيوخه قد وثقوا مطلقاً»، وقد روى أيضاً: عن عبد الله بن عمرو، والنعمان، وغيرهما، وله أحاديث [التاريخ الكبير (٣/ ٨٥)(٣/ ٤٤٩/ ٣١٨٣ - ط الناشر المتميز)، المعرفة والتاريخ (٢/ ٤٢٩ و ٥٢٢) و (٣/ ١٧٤ و ٢٠٥)، الجرح والتعديل (٣/ ٢٦٩ و ٢٩٧)، الثقات (٤/ ١٨١)، فتح الباب (٢٥٩٦)، الأنساب (٨/ ٧٧)، سير أعلام النبلاء (١٤/ ٨٧)، جامع التحصيل (٩٥٤)، إكمال مغلطاي (٣/ ٣٤٤)، الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة (١٥٥)، الإصابة (٧/ ٩٧)، التهذيب (١/ ٣٤٤)].
• وعلى هذا: فإن رجال إسناد هذا الحديث كلهم ثقات، سمع بعضهم من بعض، وجهالة الصحابي لا تضر؛ فصح بذلك الإسناد، والله أعلم.
فإن قيل: كيف يكون هذا الحديث قد سمعه جمع غفير من الصحابة، حيث قيل في ثلاث غزوات، ثم لم يروه سوى هذا الصحابي المبهم؟
فيقال: هذا من الأمور المشتهرة بين الناس قديماً، وهو كونهم شركاء في الماء والكلأ والملح والشجر الذي يحتطب منه، فكل هذه مما لا صنع للإنسان فيها، وهي كالمعادن الظاهرة، التي يتناولها الناس على عادتهم لكسب معاشهم؛ كالاحتطاب، أو كرعي مواشيهم في الكلأ المباح الذي ليس بداخل في ملك أحد، أو مما لا بد لهم منه