وذلك: أن المال الذي بلغ أن تؤدى فيه الزكاة فهو كنز ما لم تؤد فيه الزكاة، فإذا أديت زكاته فليس بكنز يجب فيه الوعيد.
ومن ثم فادخار المال مباح، وهو قول جمهور الصحابة، وعليه فقهاء الأمصار؛ خلافاً لما ذهب إليه أبو ذر، وعلي بن أبي طالب؛ بدليل أن الزكاة لا تجب فيه حتى يحول عليه الحول، وهو قائم عند مالكه لم يتصرف فيه بالنفقة أو الصدقة أو الهبة ونحوها، مهما بلغ قدره طالما أنه يؤدي حق الله فيه من الزكاة، ومما يجب عليه من نفقه أهله وعياله، ووالديه إن وجبت نفقتهما عليه، وحق الضيف النازل عليه، وما تجب فيه المواساة من الضرورات النازلة.
وما أحسن استدلال الشافعي حين قال:«لولا إباحة حبسها ما وجبت فيها الزكاة في حول؛ لأنها لا تجب حتى تحبس حولاً».
ومن فقه المسألة:
• روى معاذ بن معاذ، قال: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة أبو يونس، قال: حدثنا رياح بن عبيدة، عن قزعة، قال: قلت لابن عمر: إن لي مالاً فما تأمرني إلى من أدفع زكاته؟ قال: ادفعها إلى ولي القوم؛ يعني: الأمراء، ولكن في مالك حق سوى ذلك يا قزعة، وفي رواية: ولكن في مالك حق سوى الزكاة يا قزعة.
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد بصري صحيح، وتقدم.
• وروى قتادة، عن أبي عمر الغداني؛ أن أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «أيما رجل كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورِسْلِها»، … فذكر الحديث، وفي آخره: فقال له العامري: وما حق الإبل يا أبا هريرة؟ قال: تُعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة، وتُفقر الظهر، وتُطرِقُ الفحل، وتسقي اللبنَ.
وفي رواية: عن أبي عمر الغداني، قال: كنت عند أبي هريرة قاعداً، قال: فمر رجل من بني عامر بن صعصعة، فقيل له: هذا أكثر عامري مالاً، فقال أبو هريرة: ردُّوه علي، فردوه عليه، فقال: نُبئت أنك ذو مال كثير، فقال العامري: إي والله إن لي مائة حمراء، ومائة أدماء، حتى عدَّ من ألوان الإبل، وأقناء الرقيق، ورباط الخيل، فقال أبو هريرة: إياك وأخفاف الإبل، وأظلاف الغنم، فردَّد ذلك عليه حتى جعل لون العامري يتغير، فقال: وما ذلك يا أبا هريرة؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: … فذكر الحديث، وقال في آخره: فقال العامري: وما حق الإبل يا أبا هريرة؟ قال: أن تُعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة، وتُفقِرَ الظهر، وتسقي اللبن، وتُطرق الفحل.
وموضع الشاهد منه في حق الإبل: موقوف على أبي هريرة، وهو صحيح [راجع:(١٦٦٠) رقم الحديث].
• وروى وكيع بن الجراح، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن علقمة بن الزبرقان، قال: قلت لأبي هريرة: ما حق الإبل؟ قال: أن تمنح الغزيرة، وأن تعطي الكريمة، وتطرق الفحل.