وقد توبع عبد الرحمن بن أبي عمرة وهو: تابعي ثقة، سمع أبا هريرة على أطراف هذا الحديث عن أبي هريرة، وقد ثبت كل طرف من هذه الأطراف الأربعة من وجوه تصح عن أبي هريرة [راجع: فضل الرحيم الودود (١/ ٣٠٢/ ٧٣)].
وقد بوب عليه البخاري بقوله:«باب حلب الإبل على الماء»، ولم يخرج في الباب غيره محتجا به على انفراده.
وقد روى البخاري بهذه السلسلة في صحيحه خمسة أحاديث (٢٣٧٨ و ٢٧٩٣ و ٣٢٢٩ و ٣٢٥٤ و ٤٧٨١) عن شيخه إبراهيم بن المنذر به، وروى بها أيضا خمسة أحاديث (٢٣٩٩ و ٣١١٧ و ٣٢٥٢ و ٣٢٥٣ و ٣٤٤٣) من طريق فليح به [وانظر: التحفة (١٣٦٠١ - ١٣٦١٢)]
ورجال هذا الإسناد ممن ينتقي لهم البخاري ما صح من أحاديثهم فيدخلها في جامعه الصحيح، وإن خالف البخاري غيره في اجتهاده؛ حيث ثبت الجرح في بعضهم:
فليح بن سليمان: مدني، ليس بالقوي، روى عن أهل المدينة أحاديث مستقيمة وغرائب، وله أوهام كثيرة ومناكير، انتقى البخاري من حديثه ما صح فأدخله في جامعه الصحيح، واحتج به. [انظر: التهذيب (٣/ ٤٠٤)، الميزان (٣/ ٣٦٥)، وما تقدم تحت الأحاديث رقم (١٩٩ و ٣٤٤ و ٤٨٠ و ٥٠٧ و ٥١٦) وغيرها].
وابنه محمد بن فليح: ما به بأس، ليس بذاك القوي، والراوي عنه: إبراهيم بن المنذر الحزامي: صدوق [راجع: فضل الرحيم الودود (١٧/ ٢٩٨/ ١٤٣١)].
قال ابن الملقن في التوضيح (١٠/ ٢٤٠): وقوله: «ومن حقها أن تحلب على الماء» وجهه: نيل المنتاب إلى الماء من الفقراء حسوة من لبنها، وكذلك ابن السبيل والمارة. وقد عاب الله قوما أخفوا جدادهم في قوله: ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ١٧]؛ أرادوا أن لا يصيب المساكين منها شيئا. وقيل في قوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] نحو من هذا. وقيل: كان هذا قبل فرض الزكاة. ويحتمل أن يكون باقيا معها، وأنه مثلها، قاله الشعبي، والحسن، وعطاء، وطاووس.
وقال أبو هريرة: حق الإبل أن تنحر السمينة، وتمنح الغزيرة، ويفقر الظهر، ويطرق الفحل، ويسقى اللبن. وتأول قائله قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] فقالوا: مثل فك العاني، وإطعام الجائع الذي يخاف ذهاب نفسه، والمواساة في المسغبة والعسرة. وتأول مسروق في قوله تعالى: ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٠] قال: هو الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته صلته فيجعل حية يطوقها.
ومذهب أكثر العلماء أن هذا على الندب؛ أي: أن هذا حق الكرم والمواساة وشريف الأخلاق. وقد بين الشارع أن قوله: ﴿سَيُطَوَقُونَ﴾ في مانع الزكاة، وقد انتزعها ابن مسعود