ومما يدل على صحة ما ذهب إليه ابن حبان، من أن الآخذ من غير سؤال ولا إشراف نفس، مأذون له في الأخذ غير مغموز فيه:
ما رواه الزهري عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي؛ أنه قدم على عمر في خلافته، … فذكر الحديث، وفيه: فقال النبي ﷺ: «خذه، فتموله، أو تصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غيرُ مُشرِف ولا سائل فخُذه، وإلا فلا تُتبعه نفسك».
وفي رواية: «ما آتاك الله ﷿ من هذا المال من غير مسألة، ولا إشراف، فخذه، فتموله، أو تصدق به، وما لا؛ فلا تتبعه نفسك».
أخرجه البخاري (٧١٦٣)، وتقدم تخريجه برقم (١٦٤٧).
وما رواه الزهري، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب؛ أن حكيم بن حزام ﵁، عن قال: سألت رسول الله ﷺ، فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: «يا حكيم، إن هذا المال خَضِرةٌ حُلوةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، [وكان] كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى».
أخرجه البخاري (١٤٧٢) و (٢٧٥٠) و (٣١٤٣) و (٦٤٤١)، ومسلم (١٠٣٥)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٦٤٧).
وعلى هذا فإن حديث نافع عن ابن عمر نص في تقسيم الأيدي: اليد العليا: يد المعطي المنفق، واليد السفلى يدل السائل، وأسفل منها يد المانع، وبينهما: يد المتعفف، في الرتبة الثانية، ويد الآخذ من غير سؤال ولا إشراف نفس: في الرتبة الثالثة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
لله ولحديث ابن عمر شواهد، منها:
١ - حديث حكيم بن حزام:
أ - رواه وهيب بن خالد، ووكيع بن الجراح، وعبدة بن سليمان الكلابي، وأبو ضمرة أنس بن عياض، والليث بن سعد، وعبد الله بن نمير، وحفص بن غياث، وحماد بن سلمة، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعنبسة بن سعيد بن الضريس الأسدي قاضي الري [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ]، ويحيى بن عبد الله بن سالم [صدوق]، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي [ليس به بأس]، وغيرهم:
حدثنا هشام، عن أبيه، عن حكيم بن حزام ﵁، عن النبي ﷺ قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه ال» له. لفظ وهيب [عند البخاري].
ولفظ ابن نمير [عند أحمد]: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وليبدأ أحدكم بمن يعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله»،