للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال أبو العباس الداني في الإيماء إلى أطراف الموطأ (٢/ ٤٤٨): «والتفسير مدرج في الحديث».

قال ابن حجر في الفتح (٣/ ٢٩٧): «وقال القرطبي: وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نص يرفع الخلاف، ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك. انتهى. لكن ادعى أبو العباس الداني في أطراف الموطأ: أن التفسير المذكور مدرج في الحديث، ولم يذكر مستنداً لذلك، ثم وجدت في كتاب العسكري في الصحابة، بإسناد له فيه انقطاع، عن ابن عمر؛ أنه كتب إلى بشر بن مروان: إني سمعت النبي يقول: «اليد العليا خير من اليد السفلى»، ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية. فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده: ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر، قال: كنا نتحدث: أن العليا هي المنفقة».

قلت: ثبوت ذلك عن عبد الله بن دينار من قول ابن عمر، لا يقطع بوقوع الإدراج في حديث نافع عن ابن عمر؛ لاختلاف المخرج، لا سيما وقد رواه عن نافع ثلاثة من ثقات أصحابه: مالك، وأيوب، وموسى بن عقبة، ولم يقع في رواية أحد منهم ما يدل على وقوع الإدراج، وأما رواية القعقاع عن ابن عمر فهي منقطعة، ولا تقوم بها حجة في إثبات الإدراج، والله أعلم.

وبهذا يبقى قول القرطبي صحيحاً سالماً من المعارضة، حيث قال: «وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نص يرفع الخلاف»؛ يعني: أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأما السفلى فهي يد السائل، والله أعلم.

قلت: كما يبعد الاستدلال على وقوع الإدراج بما وقع في حديث أبي هريرة:

فقد روى حفص بن غياث: حدثنا الأعمش: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني أبو هريرة ، قال: قال النبي : «أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول». تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني. فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله ؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة.

أخرجه البخاري (٥٣٥٥)، ويأتي تخريجه برقم (١٦٧٦)، إن شاء الله تعالى.

قال ابن حبان بعد رواية عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة، بنحو هذا المعنى (٨/ ١٥٠/ ٣٣٦٣): «قوله : «اليد العليا خير من اليد السفلى»؛ عندي أن اليد المتصدقة أفضل من اليد السائلة، لا الآخذة دون السؤال، إذ محال أن تكون اليد التي أبيح لها استعمال فعل باستعماله؛ أحسن من آخر فُرض عليه إتيان شيء، فأتى به أو تقرب إلى بارئه متنفلاً فيه، وربما كان المعطي في إتيانه ذلك، أقل تحصيلاً في الأسباب من الذي أتى بما أُبيح له، وربما كان هذا الآخذ بما أُبيح له، أفضل وأورع من الذي يعطي، فلما استحال هذا على الإطلاق دون التحصيل بالتفضيل؛ صح أن معناه: أن المتصدق أفضل من الذي يسألها»، ثم استشهد على صحة ما ذهب إليه بحديث ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>