قلت لهم، قال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم ﷺ دعاني فأجبته، فقال:«أَتَرَى أُحُداً؟»، فنظرت ما عليَّ من الشمس وأنا أظن أنه يبعثني في حاجة له، فقلت: أراه، فقال:«ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير»، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً، قال: قلت: ما لك ولإخوتك من قريش لا تعتريهم وتصيب منهم؟ قال: لا، وربك! لا أسألهم عن دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتى ألحق بالله ورسوله.
أخرجه البخاري (١٤٠٧ و ١٤٠٨)، ومسلم (٣٤/ ٩٩٢)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (٣/٧٣/٢٢٣٦)، وابن حبان (٨/٥١/٣٢٥٩)، وأحمد (٥/ ١٦٠)، وابن جرير الطبري في تفسيره (١١/ ٤٣٧)، وفي تهذيب الآثار (١/ ٤٠٤/ ٢٤٥ - مسند ابن عباس)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (٢/ ١٠٥٨/ ١٣٨)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (٢/ ٢٢٢/ ١٤٧٣). [التحفة (٨/ ٤١٤/ ١١٩٠٠)، الإتحاف (١٤/ ١٠١/ ١٧٤٦٦)، المسند المصنف (٢٧/ ٣٠٠/ ١٢٣٠٢)].
وبهذه الرواية يظهر أن أبا ذر استنبط قوله في تحريم الكنز، من قول النبي ﷺ في أحد، وأن قوله: بشر الكنازين … إلخ، لم يسمعه من النبي ﷺ، وأن الذي وهم باختصار القصة، فأوهم سماع أبي ذر قوله:«بشر الكنازين من النبي ﷺ، هو الأحنف بن قيس، والله أعلم. ولحديث أبي ذر هذا طرق أخرى فيها موضع الشاهد، منها: حديث زيد بن وهب عن أبي ذر، في حديث طويل له أطراف متعددة، فيمن مات لم يشرك بالله شيئاً، وفي فضل الإنفاق، وليس هذا موضع تخريجه وتفصيل طرقه، لكني فقط أذكر موضع الشاهد وحده، لكي يستبين به المراد، وهو أن المرفوع في حديث الأحنف بن قيس عن أبي ذر، متعلق بكلام النبي ﷺ في أحد أن لو كان عنده ذهباً لما اكتنزه، ولما لبث عنده فوق ثلاث؛ إلا وقد فرقه بين العباد:
فقد روى الأعمش [وعنه: أبو معاوية، وحفص بن غياث وأبو الأحوص، وجرير بن عبد الحميد، وعيسى بن يونس، وأبو شهاب الحناط]، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر، قال: كنت أمشي مع النبي ﷺ في حرة المدينة عشاء، ونحن ننظر إلى أحد، فقال: «يا أبا ذر!»، قلت: لبيك يا رسول الله! قال: «ما أحبُّ أن أحداً ذاك عندي ذهباً، أمسي ثالثةً وعندي منه دينار؛ إلا ديناراً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا»، وحثا عن يمينه، وبين يديه، وعن يساره، قال: ثم مشينا، فقال: يا أبا ذر، إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة؛ إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا»، وحثا عن يمينه، وبين يديه، وعن يساره، … وذكر الحديث بطوله. لفظ أبي معاوية [عند أحمد].
وفي رواية: كنت أمشي مع النبي ﷺ في حرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال:«يا أبا ذر!»، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئاً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا