فقال: بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه، وكي في الجنوب، وكي في الظهور؛ حتى يتقي الحرق إخوانهم.
أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (٣/ ١٠٣٨).
وهذا موقوف على أبي ذر بإسناد صحيح، وشيخ عمرو بن مرة هنا، هو: أبو نصر حميد بن هلال، تحرف إلى أبي نضرة، وأبو نصر حميد بن هلال هو المعروف برواية هذا الحديث عن الأحنف بن قيس، قال أحمد:«الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي نصر؛ هو: حميد بن هلال». [انظر: العلل ومعرفة الرجال (٣/٤٩/٤١١١)، التاريخ الكبير (٥/ ١٩٦)، سنن النسائي الصغرى (٧/ ١١٠/ ٤٠٧٥)، سنن النسائي الكبرى (٣/ ٤٤٧/ ٣٥٢٤)، مسند البزار (٩/ ٣٧٢/ ٣٩٤٩) و (٩/ ٤٦٠/ ٤٠٧٥)، علل ابن أبي حاتم (٤/ ١٨٠/ ١٣٤٧)، المعجم الكبير للطبراني (٢/ ١٥٣/ ١٦٣٩)، علل الدارقطني (١/٣٩/٢٣٦)].
* قلت: الظاهر أن قول أبي ذر في الكنازين إنما هو موقوف على أبي ذر قوله، وليس نص كلام رسول الله ﷺ، وإنما هو فهم فهمه أبو ذر من عموم الكتاب، وعمومات السنة، وأنه تأول قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ [التوبة: ٣٥]، وأنه استنبط قوله هذا من قول النبي ﷺ في أحد، كما سيأتي بيانه، وأن الذي أوهم رفعه هو الأحنف بن قيس، حيث رواه عنه خمسة: خليد بن عبد الله العصري، وحميد بن هلال العدوي البصري، وأبو نعامة السعدي، وعبد الله بن يزيد بن الأقنع الباهلي، وخامسهم الذي أتى بالرواية مفصلة بتمامها: أبو العلاء بن الشخير، فرواه خمستهم عن الأحنف بألفاظ متباينة، وسياقات مختلفة، تدل على أن ذلك إنما كان من تصرف الأحنف نفسه، وأنه كان أحيانا يسوق الحديث بتمامه بشقيه الموقوف والمرفوع، وأحيانا يقتصر على ذكر الموقوف، وأحيانا يسقط كلام النبي من الوسط، ويسوقه سياقا يشعر بأن كلام أبي ذر الموقوف في الترهيب من الكنز، قد سمعه أبو ذر بنصه من النبي ﷺ، وإنما هو فهم استنبطه أبو ذر من قصته مع النبي ﷺ بأحد. والدليل على ذلك:
ما رواه: إسماعيل بن إبراهيم [هو: ابن علية؛ ثقة ثبت]، وعبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [ثقة][وهم ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه]:
عن الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف بن قيس، قال: قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم، حتى يخرج من نغض كتفيه، ويوضع على نغض كتفيه، حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل، قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا، قال: فأدبر، واتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما