فلا أظنه يثبت من هذا الوجه، والمعروف في ذلك ما رواه أحمد في مسنده، ولو ثبت لكان متابعاً لحديث يزيد بن هارون عند أحمد، والله أعلم.
وعليه: فإن شيخ ابن إسحاق في هذا الحديث هو: سعيد بن يسار، أبو الحباب المدني، وهو: ثقة، لم يختلفوا في توثيقه، سمع أبا هريرة، وروايته عنه في الصحيحين، وابن إسحاق معروف بالرواية عنه، وبالسماع منه، ولا يُردُّ حديث ابن إسحاق هذا لعدم تصريحه فيه بالسماع، وقد سبق بحث مسألة تدليس ابن إسحاق بحثاً موسعاً في فضل الرحيم الودود (٩/ ٦١/ ٨١٤)، ومما قلت هناك: أن الأصل في حديث المدلس الاحتجاج به، حتى يتبين لنا أنه دلسه عن مجروح أو مبهم، فعندئذ يسقط الاحتجاج بهذا الحديث المعين، والله أعلم.
وعليه: فهو حديث جيد، والله أعلم.
ط - ورواه هوذة بن خليفة [صدوق، ذهبت كتبه؛ إلا كتاب عوف الأعرابي، وشيء يسير لابن عون، وابن جريج، وأشعث، وسليمان التيمي، وقد تكلم فيه ابن معين، وكان مكثراً عن عوف الأعرابي. التهذيب (٤/ ٢٨٧)، طبقات ابن سعد (٧/ ٣٣٩) تاريخ بغداد (١٤/ ٩٤)]، قال: حدثنا عوف [ابن أبي جميلة الأعرابي: بصري، ثقة]، عن خلاس، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:«والله! لأن يأخذ أحدكم حبلاً، فينطلق إلى هذا الجبل، فيحتطب من الحطب، فيبيعه، فيستغني به عن الناس، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو حرموه».
أخرجه أحمد (٢/ ٣٩٥). [الإتحاف (١٤/ ٤٧٤/ ١٨٠٣٣)، المسند المصنف (٣١/ ١٤٤٥٥/ ٤٢٦)]. وهذا إسناد رجاله ثقات؛ إلا أنه منقطع، خلاس بن عمرو الهجري: ثقة، وكان يرسل، من الثانية، سمع عماراً وعائشة، قال أحمد:«لم يسمع خلاس من أبي هريرة شيئاً» [التاريخ الكبير (٣/ ٢٢٧)، سؤالات الآجري (٩٠٢)، جامع التحصيل (١٧٥)، تحفة التحصيل (٩٦)، التهذيب (١/ ٥٥٨)، الميزان (١/ ٦٥٨)].
وخلاس يدخل بينه وبين أبي هريرة أبا رافع الصائغ. [انظر: صحيح مسلم (٤٣٩)، سنن أبي داود (٣٦١٦ و ٣٦١٨)، سنن النسائي (١/ ١٧٧)، سنن ابن ماجه (٩٩٨ و ٢٣٢٩ و ٢٣٤٦)، صحيح ابن خزيمة (٣/٢٥/١٥٥٥)، مستدرك الحاكم (١/ ٢٧٤)، سنن الدارقطني (١/ ٦٥ و ٣٨٢ و ٤١٢) و (٤/ ٢١١)، وغيرها].
وأما قول الذهبي في الميزان:«لكن روايته عن أبي هريرة في البخاري»؛ فليس دليلاً على إثبات السماع، فإن البخاري قد روى له مقروناً بابن سيرين والحسن في الإسناد، ولا يعني هذا سماعه من أبي هريرة؛ لا سيما مع تصريح الإمام أحمد بعدم سماعه، ومع روايته عن أبي هريرة بواسطة أبي رافع الصائغ، وإنما اعتماد البخاري في ذلك على سماع ابن سيرين من أبي هريرة، وإنما وقعت له الرواية هكذا مقرونة، فحدث بها كما سمعها [صحيح البخاري (٣٤٠٤ و ٤٧٩٩) و (٦٦٦٩)].