قلت: تقدم بيان وقوع الوهم في رواية معتمر، وأن الصواب رواية الجماعة له من مسند أنس بن مالك، والله أعلم.
وقال الذهبي في الميزان (١/ ١٦٨) في ترجمة الأخضر بن عجلان: «ومن غرائبه: عن أبي بكر الحنفي - وليس بمشهور -، عن أنس؛ أن رسول الله ﷺ باع قدحاً وحلساً فيمن يزيد.
هكذا رواه عيسى بن يونس وغيره عن الأخضر، ورواه معتمر عنه، عن الحنفي، عن أنس، عن رجل من الأنصار، … الحديث».
وقال في ترجمة أبي بكر الحنفي من الميزان (٢/ ٥٢٩): «عن أنس بن مالك، لا يعرف، وحسن الترمذي له روى عنه: الأخضر بن عجلان وحده حديثاً واحداً، متنه: أن النبي ﷺ باع قدحاً وحلساً فيمن يزيد».
قلت: حديث أنس هذا: حسنه الترمذي، وانتقاه ابن الجارود، واحتج به أبو داود، والنسائي، واحتج به ابن المنذر في موضعين، وقال في بيع المزايدة في الأوسط (١٠/ ٣٧٥): «لا بأس ببيع المزايدة على ظاهر حديث أنس، وقال في الإشراف (٦/ ١٣٩) في بيع المزايدة: لا بأس به؛ لأنا قد روينا عن النبي ﷺ أنه باع قدحاً وحلساً فيمن يزيد، ولأن عليه العامة والخاصة في عامة البلدان».
وقد احتج به على بيع المزايدة النسائي والترمذي وابن ماجه وابن الجارود وابن المنذر والطحاوي والبيهقي وغيرهم، ولم يضعفه البخاري، ولا أبو حاتم، حينما سئلا عنه، وفي هذا كله تقوية لأبي بكر الحنفي، لا سيما وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه ثلاثة من الثقات، ولم يرو منكراً، ولم أجد أحداً صرح بضعف هذا الحديث من كبار النقاد، بل احتج به جمهور المصنفين في بابه، والله أعلم.
وأما ما نقله ابن عبد البر في الاستغناء عن البخاري قوله:«لا يصح حديثه»، وتبعه عليه ابن حجر في التهذيب، فلم أجده في تواريخ البخاري، ولا نقله عنه العقيلي ولا ابن عدي على عادتهما في إيراد مثله في ضعفائهما، وأما ابن حبان فقد أدخله في ثقاته على عادته فيمن يسكت عنه البخاري، ولو وقف ابن حبان على قول البخاري هذا في تاريخه لما توانى عن إيراده في المجروحين، وعلى فرض أن البخاري قال فيه:«لا يصح حديثه»، لأورده هو نفسه في ضعفائه، ولم يورده، ولما سأله الترمذي عن هذا الحديث بعينه، وثق الأخضر بن عجلان، وعرف أبا بكر الحنفي باسمه، ولم يضعفه، فكأن البخاري سكت عن هذا الحديث، واحتمله ولم ينكره، ولو وجد فيه ابن القطان الفاسي جرحاً لما توانى عن نقله وإظهاره، حيث لم يجد وسعاً في تضعيف حديثه إلا من جهة القدح فيه بجهالة الحال، حيث لم يجد فيه جرحاً في التواريخ. [انظر في وهم ابن حجر حين اختصر كلام ابن الملقن من البدر المنير وعزا قول البخاري لابن القطان، بينما عزاه ابن الملقن على الصواب لابن عبد البر في كناه: البدر المنير (٦/ ٥١٥)، التلخيص الحبير (٣/٣٤)]. ولا