فقر مدقع أي: من فقر قد ألزقك بالدقعاء، وهو التراب، حتى لا تتوارى منه بشيء، فقد وجب حقك، وإنما أرخص لهؤلاء في المسألة دون غيرهم؛ لأن صاحب الحمالة إنما يسأل في دين غيره، يريد الإصلاح وتسكين الحرب بين الناس، وصاحب الجائحة والفاقة إنما يسألان من الحاجة التي قد أصابتهما، والذي يسأل محرمه إنما يسأل أن يصل رحمه، وقد أمر الله تعالى بصلة الرحم، والذي يسأل السلطان إنما يسأل من حقه في بيت مال المسلمين، وصاحب الغرم المثقل إنما في دينه، وقد فرض الله للغارمين من الصدقات سهما معلوما».
وقال ابن جرير في مسند عمر من التهذيب (١/ ١٣٧): «وأما قول قبيصة بن المخارق: تحملت بحمالة، فإنه يعني: تكفلت بكفالة، … ، وإنما أراد قبيصة بقوله ذلك: أنه تضمن ديات أقوام قتلوا؛ للإصلاح بين عشائر القاتلين والمقتولين؛ فأباح النبي ﷺ المسألة فيها؛ حتى يؤديها؛ لما في ذلك من حقن دماء الفريقين، وصلاح ذات بين الطائفتين»، وذكر أن الجائحة هي المصيبة تنزل بمال الرجل فتهلكه، وذكر أن السداد بكسر السين، هو: ما سد الخلة، وأما السداد بفتح السين، فهو القصد والإصابة، وقال:«وكذلك القوام بكسر القاف: مصدر أقام أمر الرجل، من كفاية تقيم عيشه وغير ذلك من أموره. والقوام، بفتح القاف: القصد والعدل، من قول الله ﷿: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧]. وأما قوله ﷺ: «ثلاثة من ذوي الحجى من قومه»، فإنه يعني بذوي الحجى: ذوي العقل والتمسك بالدين والحق».
وقال البيهقي في شرح حديث قبيصة في الخلافيات (٥/ ٣٣٤): «وهذا في رجل عرف بالغنى، فأصابته جائحة، فلا يعطى حتى يشتهر بأن قد أصابته ما يدعي من الجائحة والفاقة، ثم لم يوقت فيما يعطى قدر النصاب، وأحل له المسألة حتى يعطى ما يقوم بكفايته، ويكون سدا لحاجته».
وقال البغوي في شرح السنة (٦/ ١٢٥): «وفقه هذا الحديث: أن النبي ﷺ جعل من يحل له المسألة من الناس ثلاثة: غنيا، وفقيرين.
فالغني: صاحب الحمالة، وهو أن يكون بين القوم تشاحن في دم أو مال، فسعى رجل في إصلاح ذات بينهم، وضمن مالا يبذل في تسكين تلك النائرة، فإنه يحل له السؤال، ويعطى من الصدقة قدر ما تبرأ ذمته عن الضمان، وإن كان غنيا.
وأما الفقيران، فهو أن يكون الرجلان معروفين بالمال، فهلك مالهما، أحدهما: هلك ماله بسبب ظاهر، كالجائحة أصابته؛ من برد أفسد زرعه وثماره، أو نار أحرقتها، أو سيل أغرق متاعه، في نحو ذلك من الأمور، فهذا يحل له الصدقة حتى يصيب ما يسد خلته به، ويعطى من غير بينة تشهد على هلاك ماله، لأن سبب ذهاب ماله أمر ظاهر.
والآخر: هلك ماله بسبب خفي؛ من لص طرقه، أو خيانة ممن أودعه، أو نحو ذلك من الأمور التي لا تظهر في الغالب، فهذا تحل له المسألة، ويعطى من الصدقة بعد أن