للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ما تقدم، وزاد: أن يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء، أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم، أو أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافاً لهم، واستجلاباً لليهود. انتهى [وانظر: التوضيح لابن الملقن (٣١/ ٤٣٠)].

وذهب ابن بطال في شرحه على البخاري (٨/ ٥٤٥) إلى أن النبي غرم الدية بقصد الإصلاح، على أن يأخذها من إبل الصدقة، قال ابن بطال: «وكان في غرم النبي لها صلحاً عن اليهود؛ وجهان من المصلحة: أحدهما: أنه عوّض أولياء المقتول دية قتيلهم، فسكن بذلك بعض ما في نفوسهم، وقطع العداوة بينهم وبين اليهود. والثاني: أنه استألف اليهود بذلك، وكان حريصاً على إيمانهم».

وكلام ابن عبد البر يدل على هذا المعنى أيضاً، حيث لم تكن الدية واجبة على اليهود، لعدم قبول الأنصار تحليفهم بعد نكولهم عن اليمين، مما يقتضي رد الدعوى، قال ابن عبد البر في التمهيد (١٥/ ١٤٧ - ط الفاروق): «وفي هذا الحديث: حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار: نكول الفريقين عن الأيمان، وفي ذلك ما يدل على أن الدية إنما جعلها رسول الله من عنده تبرعاً؛ لئلا يُطَلَّ ذلك الدم، وذلك ليس بواجب، والله أعلم» [وقال نحوه في الاستذكار (٨/ ١٩٧)].

وبهذا يتأيد القول بأن النبي إنما غرمها للإصلاح بين الفريقين، وعليه فله أن يأخذها من إبل الصدقة، وهو مصرف الغارمين للغير، والله أعلم.

قال ابن الملقن في التوضيح (٣١/ ٤٣٢): «وقال ابن الطلاع: إنما أعطى الشارع من حق الغارمين الذين لهم سهم من الصدقة.

وفيه: دلالة أنه يعطي من الزكاة أكثر من نصاب».

وبهذا التأويل يصح الاستدلال بهذا الحديث في هذا الباب، والله أعلم.

• وقد روى هذا الحديث على الصواب بإثبات استحلاف المدعين أولياء المقتول خمسين يميناً: يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إسحاق، كلاهما عن بشير به:

• رواه يحيى بن سعيد الأنصاري [ثقة ثبت متقن]، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، [قال يحيى: وحسبته قال:] وعن رافع بن خديج أنهما قالا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصة بن مسعود بن زيد، حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك، ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلاً فدفنه، ثم أقبل إلى رسول الله هو وحويصة بن مسعود، وعبد الرحمن بن سهل، وكان أصغر القوم، فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه، فقال له رسول الله : «كبر الكبر» في السن، فصمت، فتكلم صاحباه، وتكلم معهما، فذكروا لرسول الله مقتل عبد الله بن سهل، فقال لهم: «أتحلفون خمسين يميناً فتستحقون صاحبكم» أو «قاتلكم؟»، قالوا: وكيف نحلف، ولم نشهد؟ قال: «فتبرئكم يهود بخمسين يميناً»؟، قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله أعطى عقله. لفظ الليث بن سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>