• ومما يزيد المعنى إيضاحاً في كون سعيد بن عبيد قد أسقط تحليف المدعين: ما قاله مالك في الموطأ (٢/ ٤٥٥/ ٢٥٧٨)(٢٣٥٩ - رواية أبي مصعب الزهري)، حيث قال:«وإنما فُرِّقَ بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق: أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه، وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من الناس، وإنما يبتغي بذلك الخلوة، قال: فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة، ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق؛ هلكت الدماء، واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها، ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول، يُبدؤون بها، لتكف الناس عن الدماء، وتكون القسامة حجراً فيما بينهم، وليحذر القاتل أن يؤخذ في مثل ذلك بقول المقتول، واللوث من الشهادة، وإن لم تكن قاطعة، فيكون مع ذلك القسامة».
وقال ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات (١٤/ ١٣٥): «ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، وما روى أصحاب مالك عنه، قال مالك: السُّنَّة التي لا اختلاف فيها عندنا، وما اجتمعت عليه الأمة في القديم والحديث: أن يُبدأ المدعون للدم في القسامة، وكذلك فعل النبي ﷺ في الحارثيين، فإن حلفوا استحقوا الدم، وفرق بين ذلك وبين سائر الحقوق: أنها تقدر في غير الدم أن تستثبت البينات، والدم إنما يرتصد به الخلوات».
واما زيادة من إبل الصدقة:
قال ابن حجر في الفتح (١٢/ ٢٣٥): قوله: فوداه مائة، … ، ووقع في رواية أبي ليلى فوداه من عنده، وفي رواية يحيى بن سعيد: فعقله النبي ﷺ من عنده؛ أي: أعطى ديته، وفي رواية حماد بن زيد من قبله بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: من جهته، وفي رواية الليث عنه: فلما رأى ذلك النبي ﷺ أعطى عقله قوله: من إبل الصدقة؛ زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد؛ لتصريح يحيى بن سعيد بقوله: من عنده، وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده، أو المراد بقوله من عنده؛ أي: بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجاناً؛ لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين، وقد حمله بعضهم على ظاهره، فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة، واستدل بهذا الحديث وغيره، قلت: وتقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس، قال: حملنا النبي ﷺ على إبل من إبل الصدقة في الحج، وعلى هذا فالمراد بالعندية: كونها تحت أمره وحكمه، وللاحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم، قال القرطبي في المفهم: فعل ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته، وجلباً للمصلحة ودرءاً للمفسدة، على سبيل التأليف، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق، ورواية من قال: من عنده؛ أصح من رواية من قال: من إبل الصدقة، وقد قيل: إنها غلط، والأولى أن لا يغلّط الراوي ما أمكن، فيحتمل أوجهاً، منها: … فذكر