والحاصل: فإن الأشبه أن يكون محفوظا عن سليمان بن يسار: هو ما رواه عنه قتادة، بتقديم أيمان المدعين، وأن رسول الله ﷺ قد وداه من عنده، وهو الموافق لما رواه بشير بن يسار، وأبو ليلى، كلاهما عن سهل بن أبي حثمة به، والله أعلم.
ومن ثم فإن مرسل سليمان بن يسار مما يقوي الجمع بين حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، وحديث سعيد بن عبيد، حيث بدأ بطلب البينة، فلما عدمت، وكان ثمة لوث أو لطخ يغلب معه الظن صدق دعواهم ويوجب القسامة؛ استحلف المدعين، فلما نكلوا رد الأيمان على المدعى عليهم.
• وقد روي نحو رواية سعيد بن عبيد، من حديث رافع بن خديج:
رواه الحسن بن علي بن راشد [الواسطي: ثقة، تكلم فيه عباس العنبري بجرح غير مفسر، فقد نظر عباس العنبري في جزء لعبدان عن الحسن هذا، فقال له:«اتقه»، والتعديل هنا مقدم، وهو بلدي لهشيم، ومعروف بالرواية عنه. [التهذيب (١/ ٤٠٣)]: أخبرنا هشيم [ثقة ثبت]، عن أبي حيان التيمي [يحيى بن سعيد بن حيان: ثقة ثبت، روى له الجماعة]: حدثنا عباية بن رفاعة ثقة، من الثالثة، سمع جده رافعا، وروايته عنه في الصحيحين]، عن رافع بن خديج، قال: أصبح رجل من الأنصار مقتولا بخيبر، فانطلق أولياؤه إلى النبي ﷺ فذكروا ذلك له، فقال:«لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم؟»، قالوا: يا رسول الله، لم يكن ثم أحد من المسلمين، وإنما هم يهود وقد يجترئون على أعظم من هذا، قال:«فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم»، فأبوا، فوداه النبي ﷺ من عنده.
أخرجه أبو داود (٤٥٢٤)، والطبراني في الكبير (٤/ ٢٧٧/ ٤٤١٣)، والبيهقي في السنن (٨/ ١٣٤) و (١٠/ ١٤٨)، وفي الخلافيات (٧/ ٧٦/ ٤٩٦٢)، وابن عبد البر في التمهيد (٢٣/ ٢١٠)، وفي الاستذكار (٨/ ١٩٦). [التحفة (٣/ ٧٩/ ٣٥٦٤)، المسند المصنف (٨/ ٥٢/ ٣٩٥٠)].
قال البيهقي في الخلافيات:«وهذا إن صح، فالقول فيه ما قلنا في حديث سعيد بن عبيد الطائي، والذي يؤكده في حديث رافع: أنا قد روينا عن رافع بن خديج من جهة يحيى بن سعيد الأنصاري، عن بشير، عن رافع، مثل حديث سهل بن أبي حثمة».
قلت: هو حديث صحيح غريب، وقد وقع فيه من الزيادة والاختصار، كمثل ما وقع في حديث سعيد بن عبيد، حيث ذكر مطالبتهم بالبينة، وأسقط تحليف المدعين.
وحاصل ما تقدم فإن حديث سعيد بن عبيد ليس شاذا بذكر طلب البينة، حيث إن طلب البينة في هذه الواقعة قد ثبت من حديث عبد الله بن عمرو، ومن حديث رافع بن خديج، ويشهد لهم مرسل سليمان بن يسار، وبمجموع أحاديث الباب: يتبين أن سعيد بن عبيد إنما وقع له تقصير في المتن، حيث أغفل ذكر تحليف المدعين، والبداءة بهم، والمحفوظ إثباته في هذه الواقعة، كما في بقية طرق حديث سهل بن أبي حثمة، وكما في حديث عبد الله بن عمرو، ومرسل سليمان بن يسار، والله أعلم.