للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بين أيديهم فقتل، فخرجوا بعده، فإذا هم بصاحبهم يتشحط في الدم، فرجعوا إلى رسول الله ، فقالوا: يا رسول الله، صاحبنا كان تحدث معنا، فخرج بين أيدينا، فإذا نحن به يتشحط في الدم، فخرج رسول الله فقال: «بمن تظنون؟»، أو: «من ترون، قتله؟»، قالوا: نرى أن اليهود قتلته، فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال: «أنتم قتلتم هذا؟»، قالوا: لا، قال: «أترضون نَفَل خمسين من اليهود؛ ما قتلوه؟»، فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين، ثم ينتفلون، قال: «أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟»، قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه من عنده. [صحيح البخاري (٦٨٩٩)]، والله أعلم.

وفي هذه الرواية على إرسالها: إثبات القسامة مع تبدئة المدعى عليهم بالأيمان، فلما أبوا ردها على المدعين، لكن لم يجعل لهم بها استحقاق الدم، وإنما يستحقون بها الدية حسب، وعلى هذا فلا يقال: إن البخاري كان لا يرى القسامة؛ بل كان يقول بها، لكن بتبدئة المدعى عليهم بالأيمان، فإن نكلوا؛ أو أبى المدعون ردها على المدعين، مع القول باستحقاق الدية دون القود بها، والله أعلم.

قال ابن حجر في الفتح (١٢/ ٢٣٩): «الذي يظهر لي: أن البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي بل يوافق الشافعي في أنه لا قود فيها، ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي؛ بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر، فيرد المختلف إلى المتفق عليه؛ من أن اليمين على المدعى عليه، فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في باب القسامة، وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر، وليس في شيء من ذلك تضعيف أصل القسامة، والله أعلم».

وبناء على ذلك فإن البخاري - فيما يظهر لي - لم ينظر إلى مجرد الترجيح بين روايات حديث سهل بن أبي حثمة، وإنما نظر إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو إعمال بقية أحاديث الخصومات في الحقوق: أن البينة على المدعي، وأن اليمين على من أنكر، أو المدعى عليه، وفيه أيضاً إعمال لحديث ابن عباس؛ أن النبي قال: «لو يُعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» [أخرجه البخاري (٢٥١٤ و ٢٦٦٨ و ٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١)، ويأتي تخريجه عند أبي داود برقم (٣٦١٩) إن شاء الله تعالى].

لكن يعترض على تصرف البخاري بأن الحديث إذا ثبت فهو حجة بنفسه، وحديث القسامة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة، ومن طريق مالك عن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة: حديث ثابت، وهو حجة بنفسه في إثبات القسامة، وتحليف المدعين، وتقديم يمين المدعي على المدعى عليه، واستحقاقه القود بخمسين يميناً، وله نظير في الشرع، بل في نص الكتاب، ففي اللعان يبدأ الزوج الملاعن المدعي باليمين قبل المدعى عليه، وهو الزوجة، وذلك إذا لم يكن مع الزوج بينة ولا شاهد، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتِ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>