للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

خمسين يميناً، قبل رد الأيمان على المدعى عليهم بعد نكولهم، وإنما ذكر مكان الاستحلاف مطالبة المدعين بالبينة، والدليل على ذلك: أن مسلماً نفسه قد أخرج حديث سعيد هذا في صحيحه؛ إلا أنه لم يسق متنه؛ إشارة لهذا المعنى، وقد نبه على تصرفه ذلك في مقدمة صحيحه [قال البيهقي في السنن (٨/ ١٢٠): «وإنما لم يسق متنه لمخالفته رواية يحيى بن سعيد»]، ومن دلائل تقصير سعيد بن عبيد في الرواية واختصارها، وأنه لم يسقه سياقة جيدة؛ قوله: «فوجدنا أحدنا قتيلاً، فقال: «الكُبْرَ، الكُبْرَ»، فقال لهم: «تأتون بالبينة على من قتله»، والسامع لذلك لا يدري لماذا قال النبي : «الكُبْرَ، الكُبْرَ»، حتى إنه قد يتبادر إلى ذهنه معنى بعيد، لكن إذا نظرنا في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، تبين لنا سبب هذه الكلمة ومعناها، حيث يقول سعيد في روايته: ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلاً فدفنه، ثم أقبل إلى رسول الله هو وحويصة بن مسعود، وعبد الرحمن بن سهل، وكان أصغر القوم، فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه، فقال له رسول الله : «كَبِّر الكُبْرَ» في السن، فصمت، فتكلم صاحباه، وتكلم معهما، فذكروا لرسول الله مقتل عبد الله بن سهل، فقال لهم: «أتحلفون خمسين يميناً فتستحقون صاحبكم» أو: «قاتلكم؟» … الحديث، وبهذا يتبين حسن سياقة يحيى بن سعيد للقصة، وأن النبي إنما قال: «الكُبْرَ، الكُبْرَ»، حين تكلم عبد الرحمن بن سهل، وكان أصغر القوم.

وأما البخاري فقد أخرج حديث سعيد بن عبيد في صحيحه في باب القسامة محتجاً به على ظاهره؛ وقد ترجم بين يديه ببعض التعاليق الدالة على عدم استحلاف المدعين ابتداء، ومطالبتهم بالبينة والشهود، وأن القسامة لا يقاد بها، ثم أتبعه بقصة عمر بن عبد العزيز مع أبي قلابة، والتي فيها إنكار القود بالقسامة، وتقديم أيمان المدعى عليهم، على أيمان المدعين، وأن المدعين يستحقون الدية بأيمانهم؛ لا القود، قال ابن بطال في شرحه على البخاري (٨/ ٥٣٧): لأن مذهبه [يعني: البخاري] تضعيف القسامة، ويدل على ذلك: أنه أتى بحديث القسامة في غير موضعه، وأشار إلى ذلك القاضي عياض في إكمال المعلم (٥/ ٤٤٨)، وقال ابن حجر في الفتح (١٢/ ٢٣١): «وأشار المصنف بذكره هنا إلى ترجيح رواية سعيد بن عبيد في حديث الباب»، قلت: أخرج البخاري حديث يحيى بن سعيد المشتمل على البداءة بتحليف المدعين في باب الصلح مع المشركين (٢٧٠٢)، ثم في باب الموادعة والمصالحة مع المشركين (٣١٧٣)، ثم في باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال (٦١٤٢ و ٦١٤٣)، ثم أخرج حديث مالك عن أبي ليلى في باب كتاب الحاكم إلى عماله (٧١٩٢)، فلم يخرج حديث تحليف المدعين أصحاب الدم في بابه، وإنما أخرج في باب القسامة: حديث سعيد بن عبيد في مطالبة المدعين بالبينة، وتعاليقه في الترجمة تؤكد هذا المعنى؛ إلا أن رواية أبي قلابة المرسلة قد اشتملت على إثبات الدية بالقسامة، مع تبدئة المدعى عليهم، قال أبو قلابة: وقد كان في هذا سنة من رسول الله ، دخل عليه نفر من الأنصار، فتحدثوا عنده، فخرج رجل منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>