الحديث الذي حفظه الأئمة، وهو قوله:«فتحلفون وتستحقون دم قاتلكم»، قالوا: لم نشهد، قال:«فيحلفون».
وعلى وهمه يظن القارئ له أنه ﵇ بدأ المدَّعَى عليهم باليمين، على حكم سائر الحقوق، وقد أبى الله ذلك في الدماء، وجعل قول صاحب الدم مبدأ في كتابه، بقوله ﷿: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ إلى ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ [البقرة: ٧٢، ٧٣]. فلما أحيا الله تعالى القتيل وقال: فلان قتلني، وأخذ الله بني إسرائيل بقوله، وهو صاحب الدم، ولم يلتفت بعده إلى من درأ عن نفسه الدعوى بالإنكار، ولذلك فهمها رسول الله ﷺ من كتاب ربه، فبدأ المدعين كما ضبطته الأئمة الأثبات المأمونون كل واحد منهم، فرد بذلك رواية ابن عبيد ولم يتابعه على وهمه أحد علمناه، إلا أبو قلابة في حديثه المرسل الغير مسند؛ في احتجاجه على إبطال الحكم بالقسامة، وحديثه هذا خطأ منقلب عليه من قصة الذين ذكر أنهم تحدثوا عند النبي ﷺ، ثم خرجوا فوجدوا أحدهم قتيلاً، إلى قصة خيبر فركب إحداهما على الأخرى، لقلة حفظه!.
ولقد أخبرني بعض أصحابنا؛ أن الشيخ أبا الحسن القابسي ﵁ كان يقول إذا قرئ عليه قول أبي قلابة هذا لعمر بن عبد العزيز: عجباً لعمر! كيف جاز عليه قول أبي قلابة - وهو من بله التابعين ونقل ابن بطال في شرحه على البخاري (٨/ ٥٣٦) هذه العبارة بلفظ: [وليس أبو قلابة من فقهاء التابعين]- في إبطال ما ثبت من حكم القسامة.
ولعمري إنه لعجب أن يكون ثابتاً في كتاب الله، وصحيحاً من حكم رسول الله ﷺ، وعمل الخلفاء الراشدين، ويسمع في ذلك من أبي قلابة قولاً مرسلاً غير مسند».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٥/ ١٤٥ - ط الفاروق): «هذه رواية أهل العراق عن بشير بن يسار في هذا الحديث، ورواية أهل المدينة عنه أثبت إن شاء الله، وهم به أقعد، ونقلهم أصح عند أهل العلم، وقد حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل؛ أنه ضعف حديث سعيد بن عبيد هذا عن بشير بن يسار، وقال: الصحيح عن بشير بن يسار: ما رواه عنه يحيى بن سعيد، قال أحمد: وإليه أذهب».
وقال في الاستذكار (٨/ ١٩٣): «وقد خطّأ جماعة من أهل العلم بالحديث سعيد بن عبيد في روايته هذه عن بشير بن يسار، وذموا البخاري في تخريجه حديث سعيد بن عبيد، وتركه حديث يحيى بن سعيد الذي فيه تبدئة المدعين بالأيمان وممن روى هذا الحديث مسنداً عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة: سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد وعباد بن العوام، والليث بن سعد، وبشر بن المفضل».
وقال في موضع آخر (٨/ ١٩٥): «قال أحمد بن حنبل: الذي أذهب إليه في القسامة: حديث بشير بن يسار من رواية يحيى بن سعيد، فقد وصله عنه حفاظ، وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد؛ حكى هذا عنه أبو بكر الأثرم، وحسبك بأحمد إمامة في الحديث، وعلماً بصحيحه من سقيمه».