صاحبكم» أو «قاتلكم؟»، قالوا: وكيف نحلف، ولم نشهد؟ قال: «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟»، قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله ﷺ أعطى عقله. [لفظ الليث بن سعد وهو متفق عليه، ويأتي تخريجه لاحقا].
فاختلفا؛ فذكر سعيد بن عبيد: البينة، ولم يذكرها يحيى بن سعيد، وأسقط سعيد بن عبيد ذكر تحليف المدعين خمسين يمينا قسامة، وأثبته يحيى بن سعيد، كما زاد سعيد بن عبيد تقييد الإبل بكونها من إبل الصدقة.
• قال مسلم في التمييز: «هذا خبر لم يحفظه سعيد بن عبيد على صحته، ودخله الوهم حتى أغفل موضع حكم رسول الله ﷺ على جهته، وذلك أن في الخبر: حكم النبي ﷺ بالقسامة أن يحلف المدعون خمسين يمينا، ويستحقون قاتلهم، فأبوا أن يحلفوا، فقال النبي ﷺ: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا»، فلم يقبلوا أيمانهم، فعند ذلك أعطى النبي ﷺ عقله».
ثم قال: «فقد ذكرنا جملة من أخبار أهل القسامة في الدم عن رسول الله ﷺ، وكلها مذكور فيها سؤال النبي ﷺ إياهم قسامة خمسين يمينا، وليس في شيء من أخبارهم أن النبي ﷺ سألهم البينة؛ إلا ما ذكر سعيد بن عبيد في خبره، وترك سعيد القسامة في الخبر فلم يذكره، وتواطؤ هذه الأخبار التي ذكرناها بخلاف رواية سعيد يقضي على سعيد بالغلط والوهم في خبر القسامة، وغير مشكل على من عقل التمييز من الحفاظ من نقلة الأخبار ومن ليس كمثلهم: أن يحيى بن سعيد أحفظ من سعيد بن عبيد، وأرفع منه شأنا في طريق العلم وأسبابه، فلو لم يكن إلا خلاف يحيى إياه حين اجتمعا في الرواية عن بشير بن يسار؛ لكان الأمر واضحا في أن أولاهما بالحفظ يحيى بن سعيد، ودافع لما خالفه.
غير أن الرواة قد اختلفوا في موضعين من هذا الخبر سوى الموضع الذي خالف فيه سعيد: وهو أن بعضهم ذكر في روايته أن النبي ﷺ بدأ المدعين بالقسامة، وتلك رواية بشير بن يسار، ومن وافقه عليه، وهي أصح الروايتين، وقال الآخرون: بل بدأ بالمدعى عليهم، لسؤال ذلك.
والموضع الآخر: أن النبي ﷺ وداه من عنده، وهو ما قال بشير في خبره ومن تابعه، وقال فريق آخرون: بل أغرم النبي ﷺ يهود الدية، وحديث بشير - يعني: ابن يسار - في القسامة: أقوى الأحاديث فيها وأصحها».
وقال المهلب بن أبي صفرة في المختصر النصيح (٣/١٦): حديث سعيد بن عبيد:
بين الوهم، لأنه انفرد فيه بثلاث لم يتابع على شيء منها:
قوله: من إبل الصدقة، وقوله: «تأتوني بالبينة على من قتله».
لم يقلهما أحد غيره، وخالفه الأئمة الأثبات؛ كيحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، وحماد بن زيد، وكل واحد منهم أضبط من سعيد بن عبيد، فكيف بإجماعهم؟.
والثالثة: قوله «فيحلفون»، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فوهم وأسقط بعض