وجود معناهما فيه، كما لا يشترط معناه فيهما، قلت: وكذلك بقية الأصناف، لو كان الفقر شرطاً فيهم حتى تحل لهم الصدقة؛ لما كان في ذكرهم فائدة، وإنما لاشتمال هذه الأصناف على أوصاف غير وصف الفقر، والله أعلم.
وهذا ظاهر في الأصناف الثلاثة: الغازي والغارم والعامل، وأما من اشتراها بماله، أو أهديت إليه وهو غني، فذلك لكون الصدقة قد بلغت محلها، وتملكها الفقير، وحُقَّ له التصرف في ماله بالبيع والهبة، وغير ذلك.
كما قد صح من حديث عائشة، ومن حديث أنس في قصة بريرة: رواه شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك ﵁، قال: أتي النبي ﷺ بلحم، فقيل:
تصدق على بريرة، قال:«هو لها صدقة، ولنا هدية» [أخرجه البخاري (١٤٩٥ و ٢٥٧٧)، ومسلم (١٠٧٤)، ويأتي تخريجه في السنن قريباً برقم (١٦٥٥) إن شاء الله تعالى].
ورواه الحكم عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة ﵂، قالت: أتي النبي ﷺ بلحم، فقلت: هذا ما تُصدِّق به على بريرة، فقال:«هو لها صدقة، ولنا هدية» [أخرجه البخاري (١٤٩٣ و ٥٢٨٤ و ٦٧٥١)، ومسلم (١٠٧٥)، ويأتي تخريجه في السنن قريباً برقم (١٦٥٥) إن شاء الله تعالى].
مسألة:
هل يصح الاحتجاج بهذا الحديث، على جواز ابتياع المتصدق صدقته ممن أخذها من مستحقيها؟
الجواب: قوله في هذا الحديث، أو رجل اشتراها بماله: نص على جواز شراء الصدقات من الذي تُصُدِّق بها عليه، وهو عام مخصوص بما: إذا لم يكن هو الذي تصدق بها؛ لما رواه مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر؛ أن عمر بن الخطاب ﵁ حمل على فرس في سبيل الله، فوجده يُباعُ، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال:«لا تبتعه، ولا تَعُدْ في صدقتك» [حديث متفق عليه، أخرجه البخاري (٢٩٧١ و ٣٠٠٢)، ومسلم (٣/ ١٦٢١)، وتقدم برقم (١٥٩٣)].
• ورواه عبيد الله بن عمر قال: حدثني نافع عن ابن عمر، أن عمر حمل على فرس له في سبيل الله، أعطاها رسول الله ﷺ ليحمل عليها رجلاً، فأخبر عمر أنه قد وقفها يبيعها، فسأل رسول الله ﷺ أن يبتاعها، فقال:«لا تبتعها، ولا ترجعنَّ في صدقتك». [أخرجه البخاري (٢٧٧٥)].
• ورواه مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب، وهو يقول: حملتُ على فرس عتيق في سبيل الله، وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك رسول الله ﷺ فقال:«لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد؛ فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه». [أخرجه