الصنف، بقدر ما يرى الوالي، وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام، فيؤثر أهل الحاجة والعدد، حيثما كان ذلك، وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم، قال مالك:«وليس للعامل على الصدقات فريضة مسماة، إلا على قدر ما يرى الإمام».
وفي المدونة (١/ ٣٤٦): «وقال مالك: يعطى من الزكاة ابن السبيل، وإن كان غنياً في بلده إذا احتاج، وإنما مثل ذلك: مثل الغازي في سبيل الله يعطى منها وإن كان غنياً.
قلت: فالحاج المنقطع به؟ فقال: قال مالك: هو ابن السبيل، يعطى من الزكاة».
وقال الشافعي في الأم (٣/ ١٨٧): «وبهذا قلنا: يعطى الغازي والعامل، وإن كانا غنيين، والغارم في الحمالة على ما أبان رسول الله ﷺ لا غارم غيره؛ إلا غارماً لا مال له يقضي منه فيعطى في غرمه، ومن طلب سهم ابن السبيل وذكر أنه عاجز عن البلد الذي يريد إلا بالمعونة، أعطي على مثل معنى ما قلت، من أنه غير قوي حتى تعلم قوته بالمال، ومن طلب بأنه يغزو أعطي غنياً كان أو فقيراً، ومن طلب بأنه غارم، أو عبد بأنه مكاتب؛ لم يعط إلا ببينة تقوم على ما ذكر؛ لأن أصل أمر الناس أنهم غير غارمين حتى يعلم غرمهم، والعبيد أنهم غير مكاتبين حتى تعلم كتابتهم، ومن طلب بأنه من المؤلفة قلوبهم لم يعط إلا أن يعلم ذلك، وما وصفته يستحق به أن يعطى من سهم المؤلفة».
وقال أيضاً (٣/ ٢٠٩): «والعامل عليها يأخذ من الصدقة بقدر غنائه لا يزاد عليه، وإن كان العامل موسراً إنما يأخذ على معنى الإجارة».
وقال ابن زنجويه في الأموال (٢٠٦١): «فهذه تسمية جملة من تحل له الصدقة من الأغنياء، وهم ستة أصناف: فأما قوله: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فالرجل يغزو أو يرابط، فيعطى من الصدقة شيئاً، فلا بأس أن يأخذه وينفقه على نفسه أو دابته، وإن كان غنياً. وأما ابن السبيل: فالغني يسافر فيصاب في ماله وينفد ما معه، فيعطى من الصدقة ما يتبلغ به، ولا يكون ديناً عليه. وأما قوله: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾، فهم الذين يسعون على الصدقات حتى يجمعوها، فيعطون منها بقدر عمالتهم، وإن كانوا أغنياء. وقوله: ﴿وَالْغَارِمِينَ﴾، فالرجل يصاب في غلة ضيعته، أو في ماشيته، أو في تجارته فيدان على عياله، فيعطى من الصدقة ما يقضي به دينه، وإن كان غنياً، وذلك لأن الله جل ثناؤه قال في آية الصدقات: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠]، فلزمت هذه الأشياء من فقرائهم وأغنيائهم، ثم فسرهم رسول الله ﷺ أيضاً، وأما قوله ﷺ: «ورجل اشتراها بماله»، فالرجل يشتري الصدقة من الساعي عليها بعدما يقبضها من أهلها، ومن الذي يقسم فيهم، أو من السؤال الذين يسألون الناس، فلا بأس عليه في ذلك، لأن الصدقة قد بلغت محلها، وتحولت بيعاً بعدما كانت صدقة، وأما قوله:«ورجل له جار مسكين»، فمسكين يتصدق عليه بصدقة فأهداها لغني، أو دعاه إليها، فلا بأس أن يقبلها منه، أو يجيب دعوته إليها، لأنها قد عادت هدية أو دعوة بعدما كانت صدقة».