الكفاية إلا بألوف أُعطي قدر أقل الكفاية، بدليل حديث قبيصة بن مخارق» [وانظر: السنن الكبرى (٧/٢٥)].
وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٦/ ٨١): «فيه دليل على أن القوي المكتسب الذي يغنيه كسبه لا يحل له الزكاة، ولم يعتبر النبي ﷺ ظاهر القوة دون أن يضم إليه الكسب، لأن الرجل قد يكون ظاهر القوة غير أنه أخرق لا كسب له، فتحل له الزكاة، وإذا رأى الإمام السائل جلداً قوياً شك في أمره وأنذره، وأخبره بالأمر كما فعل النبي ﷺ، فإن زعم أنه لا كسب له، أو له عيال لا يقوم كسبه بكفايتهم، قبل منه وأعطاه».
وقال ابن الفرس في أحكام القرآن (١/ ٣٩٦) في تفسير قول الله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْألُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] بعد كلام طويل: «الفقير: اسم ثابت لكل من عُدِم الفضل على ما لا بد له منه بحسب حاله يعني: من الدار والخادم والدابة … .
وقد اختلفوا في القدر الذي يخرج به الفقير من اسم الفقر إلى اسم الغنى، حتى لا تحل له الزكاة، فقيل: من كانت له كفاية بمالٍ، وإن كانت دون نصاب، … ، وقد يكون للرجل أكثر من نصاب ولا كفاية له، وقيل: هو من له نصاب … »، وذكر طرفاً من أقوال العلماء، ثم قال: والأظهر من هذه الأقوال على ظاهر الآية: اعتبار الكفاية؛ لأن الله تعالى قد أباح لهؤلاء الفقراء المهاجرين المذكورين في الآية أخذ الصدقات، ولا بد أن لهم كسوةً وسلاحاً ودواباً، وقال أيضاً:«واحتج بعضهم أيضاً على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين، بقوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وبقوله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ [الكهف: ٧٩]».
وقال ابن قدامة في المغني (٢/ ٤٩٣): «واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها، ونقل عن أحمد فيه روايتان أظهرهما: أنه ملك خمسين درهماً، أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام؛ من كسب أو تجارة أو عقار أو نحو ذلك، ولو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية؛ لم يكن غنياً، وإن ملك نصاباً، هذا الظاهر من مذهبه، وهو قول الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق … .»، واحتج بحديث حكيم بن جبير، إلى أن قال:«والرواية الثانية: أن الغنى ما تحصل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئاً، وإن كان محتاجاً حلت له الصدقة، وإن ملك نصاباً، والأثمان وغيرها في هذا سواء. وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري، وقول مالك والشافعي، … »، ثم احتج بحديث قبيصة بن المخارق وفيه:«فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش»، ثم قال: فمد إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد، ولأن الحاجة هي الفقر والغنى ضدها، فمن كان محتاجاً فهو فقير يدخل في عموم النص، ومن