أعطاه أخرى» [التمهيد (٤/ ١٢٢)] [قلت: سيأتي في باب: «كم يُعطى الرجل الواحد من الزكاة» بيان هذه المسألة، وأنه ليس فيها توقيت ولا حد].
وقال الترمذي في الجامع (٦٥١) بعد حديث ابن مسعود: «والعمل على هذا عند بعض أصحابنا، وبه يقول: الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد، وإسحاق، قالوا: إذا كان عند الرجل خمسون درهماً لم تحل له الصدقة.
ولم يذهب بعض أهل العلم إلى حديث حكيم بن جبير، ووسعوا في هذا، وقالوا: إذا كان عنده خمسون درهماً، أو أكثر وهو محتاج، فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي، وغيره من أهل الفقه والعلم».
وقال ابن جرير في مسند عمر من تهذيب الآثار (١/٥٠): «قال بعضهم: المسألة التي حرمها ﷺ على من حرمها عليه، هي المسألة التي يسألها السائل عن غنى منه عنها، بوجوده ما فيه له الكفاية لما لا بد له منه، من غذاء من مطعم ومشرب، وملبس ومسكن، منمياً بذلك ماله، طالباً به تكثيره، ثم حد في مبلغ قدر ذلك مقداراً بوزن وكيل وقيمة.
وأنكر آخرون منهم تحديد ذلك بمقدار من الكيل والوزن والقيمة، إلا بالبيان عنه في تحديده بالكفاية والغنى، والمعروف معناه عند عوام الناس.
وأنكر آخرون منهم تحديد ذلك، إلا بوجود المرء قوت يومه لغدائه وعشائه.
وأنكره آخرون إلا بوجود قوت ساعته.
وأنكر آخرون ذلك إلا عند الضرورة الحالة به، وأحلوا ذلك محل الميتة للمضطر.
وأنكر آخرون المسألة بكل حال، وقالوا: الأخبار التي وردت عن النبي ﷺ بتحريمها عام في المسائل كلها».
وقال ابن المنذر في الإقناع (١/ ١٨٨): «ولا يجزئ أن يعطى منها غني، ولا من له قوة يقوى بها على الكسب، ثبت أن نبي الله ﷺ، قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها، فأهدى منها لغني».
ولا أرى أن يعطى من الصدقة من له خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب؛ لحديث ابن مسعود، ويعطى من له دار وخادم لا يستغني عنها».
وقال البيهقي في المعرفة (٩/ ٣٢٨) بعد حديث أبي بكر الحنفي عن أنس، والآتي ذكره قريباً، والشاهد منه: «إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي دم موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع»، قال البيهقي: «وهذا الحديث المشهور المخرج في كتاب أبي داود، يوافق حديث ابن الخيار في أن الصدقة لا تصلح بالفقر لمن له كسب يقوم بكفايته، ويوافق حديث قبيصة في أن المسألة تصلح لمن حمل حمالة في دم أو لزمه غرم في مال، إلا أنه في حديث أنس رأى في الرجل الذي سأله قوة على الكسب، فأمره به، ولم يرخص له في المسألة بالفاقة مع القدرة على الكسب، وأباحها لذي فقر مدقع، وذلك إذا عجز عن