بل ذهب أحمد إلى أبعد من ذلك، وهو أنه لم ير متابعة زبيد شيئاً، لإرسالها، وأنه اعتمد على حديث حكيم بن جبير وحده، مع تصريحه بضعفه في عدة مواضع، وقال في موضع منها: «ضعيف الحديث، مضطرب» [العلل ومعرفة الرجال (١/ ٣٩٦/ ٧٩٨)]:
قال أحمد بن حفص: «سُئل أحمد بن حنبل، - يعني: وهو حاضر -: متى تحل الصدقة؟ قال: إذا لم يكن خمسون درهماً أو حسابها من الذهب، قيل له: حديث حكيم بن جبير؟ قال: نعم، ثم حكى عن يحيى بن آدم؛ أن الثوري قال يوماً: أبو بسطام يحدث - يعني: شعبة - هذا الحديث عن حكيم بن جبير؟ قيل له: [لا]، قال: حدثني زبيد، عن محمد بن عبد الرحمن، ولم يزد عليه قال أحمد: كأنه أرسله، أو كره أن يحدث به، أما تعرف الرجل؟! كلاماً نحو ذا [الكامل لابن عدي (٣/ ٢٦٣/ ٤٢٥٣)].
قلت: ففي كلام أحمد هذا ما يدل على اعتماده حديث حكيم بن جبير وحده، وأن حديث زبيد لم يكن متصلاً عند الثوري، حيث لم يصل إسناده إلى منتهاه، فكأنه كان عنده مرسلاً، وقد وافقه على ذلك البزار والدارقطني وابن حزم وابن الجوزي.
قال البزار في مسنده (٥/ ٢٩٥) بعد حديث يحيى بن آدم: «قال يحيى بن آدم: فعلمت أن شعبة لا يرضى حكيم بن جبير، فقلت له: حدثنيه سفيان، عن زبيد، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه هكذا، ولم يقل: عن عبد الله.
وحكيم بن جبير هذا: رجل من أهل الكوفة، ضعيف الحديث، وزبيد؛ فلم يسند هذا الحديث عن عبد الله».
وقال الدارقطني في العلل (٥/ ٢١٥/ ٨٢٩): «ورواه زبيد، ومنصور بن المعتمر، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد؛ لم يجاوز ابنه محمداً، وقولهما أولى بالصواب».
وقال ابن حزم في المحلى (٤/ ٢٧٨): «حكيم بن جبير: ساقط، ولم يسنده زبيد، ولا حجة في مرسل». وقال عن حكيم في موضع آخر (١١/ ٣٤٢): «هالك كذاب».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٤/ ١٠٢): «وهذا الحديث إنما يدور على حكيم بن جبير، وهو متروك الحديث».
ثم قال: «هكذا رواه جماعة أصحاب الثوري منهم ابن المبارك وغيره، عن الثوري، عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن ابن مسعود؛ إلا يحيى بن آدم، فإنه جعل فيه مع حكيم بن جبير: زبيد الإيامي».
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (٢/ ١٨٦) بعد هذا الحديث: «وحكيم بن جبير: ضعيف الحديث عندهم».
وقال ابن الجوزي في التحقيق (٢/ ٦١) بعدما ضعفه بحكيم بن جبير، ثم أورد رواية يحيى بن آدم عن الثوري، قال: ليس في هذا حجة؛ فإن سفيان ما أسنده، إنما قال: حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن فحسب، ولم يرفعه»، ثم قال: «ثم ليس في الحديث أن من ملك خمسين درهماً لم تحل له الصدقة، وإنما فيه أنه كره له المسألة فقط،