وقال ابن حبان:«ليس له طريق يعرف ولا رواية؛ إلا من حديث حكيم بن جبير».
وقال البيهقي في المعرفة (٩/ ٣٢٩): «تفرد به: حكيم بن جبير، وليس بالقوي».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٤/ ١٠٢): «وهذا الحديث إنما يدور على حكيم بن جبير، وهو متروك الحديث».
يضاف إلى ذلك: امتناع يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي من التحديث بهذا الحديث عن سفيان الثوري، إذ لو كان عنده عن زبيد متصلا؛ لحدثا به عنه. وعدم تحديث يحيى بن سعيد القطان بهذا الحديث من طريق زبيد الإيامي، يستفاد منه ثلاثة أمور: الأول: تضعيف حكيم بن جبير، ومتابعة شعبة على قوله فيه، والثاني: تضعيفه لحديثه هذا، فقد قال البيهقي عن يحيى بن سعيد، بأنه كان يتقي الحديث الغلط ولا يرويه، قال في السنن (٤/ ٩٣): «وهو يتقي أمثال ذلك [يعني: الحديث الغلط]، فلا يروي إلا ما هو صحيح عنده، والله أعلم» [تقدم نقله بتمامه تحت الحديث السابق برقم (١٥٧٣)]، والثالث: أن هذا الحديث لا يعرف من حديث زبيد، إذ لو كان عند الثوري عن زبيد متصلا، لكان يحيى بن سعيد وابن مهدي ووكيع أول من يرويه عن الثوري، ويضاف إلى ذلك: أن عبارة الثوري فيه لا تدل على الاتصال، كما سيأتي، والله أعلم.
فإن قيل: قد حدث به يحيى بن سعيد عن الثوري عن حكيم به، فيقال: لم يحدث به على هيئة المحتج به، بل حدث به منكرا به عليه، وقد كان هو السائل لسفيان الثوري عن هذا الحديث بعينه فحدثه به، ثم أتبعه بقوله:«سألت شعبة عن هذا الحديث، فقال: إني أخاف الله أن أحدثك به»؛ فكأنه حدث به ليعلم السامع إنكار شعبة لهذا الحديث بعينه، وأنه لأجله ترك التحديث عن حكيم بن جبير، ولذا قال عمرو بن علي الفلاس:«كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن حكيم بن جبير»، وقال البخاري:«كان شعبة يتكلم فيه، وكان يحيى وابن مهدي لا يحدثان عنه» [التاريخ الأوسط (٢/١٩/١٦٣٥)، ضعفاء العقيلي (١/ ٣١٦)، الكامل لابن عدي (٣/ ٢٦٣/ ٤٢٥١)].
فإن قيل: إن يحيى بن سعيد كان يروي أحيانا عن سفيان الثوري، عن حكيم بن جبير ما استقام متنه، واشتهر من وجه آخر، وعليه يحمل قول محمد بن المثنى:«سمعت يحيى يحدث عن سفيان عن حكيم بن جبير، وما سمعت عبد الرحمن يحدث عنه شيئا قط»، وقول عمرو بن علي الفلاس:«كان عبد الرحمن لا يحدث عن حكيم بن جبير، وكان يحيى يحدثنا عنه». [انظر: ضعفاء العقيلي (١/ ٣١٦)، الجرح والتعديل (٣/ ٢٠٢)، الكامل لابن عدي (٤٢٤١ و ٣/ ٤٢٣٨/ ٢٦٠)]؛ فيقال: قد امتنع يحيى بن سعيد من الرواية عن حكيم بن جبير لما سمع قول شعبة فيه، ولكنه لما روى له هذا الحديث، وحديثا آخر وهم فيه حكيم أيضا [يأتي التنبيه عليه]، قالوا: قد حدث عنه، لكنه في حقيقة الأمر ما حدث بهذا الحديث بعينه إلا على جهة الاستنكار له، ولبيان حاله؛ كما بينت آنفا، وقد ثبت أن يحيى بن سعيد كان يضعف حكيم بن جبير، ويأخذ فيه بقول شعبة. [انظر: مقدمة مسلم